الأربعاء، مارس 28، 2012

المهربون وشيخ البحارة


شيخ البحارة هو الشخص الذي لديه خبرة طويلة في تهريب البضائع عبر الحدود.

أخبرني شيخ ٌ من شيوخ هذه الطريقة، وكانت كنيته ' دحام شيخ البحارة '، أن جماعة من الشباب قد أتته طالبة مساعدته في تعلم مهنة التهريب. وهي مهنة كانت تُدرُ عائداً مجزياً على من يمارسها بإتقان.

وافق الشيخُ على الطلب، لقاء نسبةٍ من الأرباح التي يحققونها. وبعد عدة أيام بدأ بإعطائهم دروساً عملية في كيفية تحميل البغال بالأشياء المُراد تهريبها، كالسكر والبرغل وعلب مناديل الورق الناعم، وما شابه. ودربهم على الإشارات والترميزات الضرورية لعملية التهريب، وطرق النجاة والتورية والمواربة، واختيار الطرق والممرات الآمنة عبر الحدود، وكيف يبيعون البضائع المهربة، ولمن يبيعونها بالأسعار المناسبة.

بعد أن تأكد الشيخ واطمأن لتلاميذه، وشعر بأنهم استوعبوا الدروس والعبر، وفهموا معاني الإشارات والترميزات الهامة، قام والقى بهم خطبة عصماء، جاء فيها ' ... يا أبنائي ... إن هذه المهنة التي ورثناها كابراً عن كابر ... من آبائنا وأجدادنا ... لابد أن نحافظ عليها بالتعاون والتسامح بيننا ... وندافع عنها بكل ما أوتينا من قوة ومعرفة... فهي، بإذن الله، مصدر رزقنا، ومنبع كرامتنا، وهي التي تحمينا من بطش السلطة عندما لاتحتاج إلينا هذه السلطة ... وهي أساس استقلالنا عنها إذا أرادت هذه السلطة أن تبتزنا في لقمة العيش ... فحافظوا عليها، وعضوا عليها بالنواجذ ...'.

بدأ التلاميذ بأول عملية تهريب يقومون بها على أرض الواقع، فجهزوا البضائع وحمّلوها على ظهور البغال، وساروا في ذات ليلةٍ على الدرب الذي عينهُ شيخ البحارة. 

ساروا بكل تؤدة وهدؤ. وما أن وصلوا إلى نقطةٍ قريبةٍ من الحدود حتى أخذ واحداً من البغال بالنهيق المزعج، والذي لفت أنظار رجال الجمارك إليهم. فأسرع رجال الجمارك كي يلقوا القبض عليهم، وأخذوا بإطلاق النار في الهواء لتخويفهم.

تفرق المهربون في اتجاهاتٍ مختلفة، وذلك حسب الخطة التي رسمها الشيخ لهم، وتركوا البضائع والبغال، وتمكنوا من العودة سالمين إلى البلدة. وفي الصباح الباكر من اليوم التالي ذهب المهربون إلى الشيخ المعلم كي يشكوا له ما حصل معهم ولهم. فتفاجؤا بالبغال وهي واقفة بشكل منتظم أمام منزل الشيخ، وعليها البضائع لم يمسسها سؤ. لكن البغل الذي بادر بالنهيق في ليلة الأمس قد نأى بنفسه عن بقية البغال !
دق التلامذةُ باب الشيخ، فخرج عليهم فزِعاً، وسألهم عن الأمر. فقصّوا عليه ما حصل معهم في ليلة البارحة. 

نظر الشيخ إلى البغال وإذ بها مصطفة، إلا واحداً منها، وهو البغل الذي وقف وحيداً، وبعيداً عن مجموعة البغال. وقد كان الشيخ ذكياً إلى حدٍ بعيد، وعرفَ بفطنتهِ وخبرتهِ الطويلة أن ذلك البغل لم يلق من الرعايةِ ما يكفي. فطلب من أحد تلاميذه أن يذهب إلى السوقِ لبتاع مُداً من الشعير وقليلاً من الدهن الذي تُشحمَ به السيارات. وبعد أن أحضر التلميذ الشعير والشحمة المطلوبة ، قام الشيخ وهمس في أذن البغل، ووضع الشعير أمامه، وشيئاً من الشحم على دُبُره. وما أن إنتهى البغل من أكل الشعير، حتى قام الشيخُ وقال لهم ' ... سيروا على بركة الله ... لقد شبع ... وتم تشحيمه ... '. 

انطلق المهربون في نفس الليلة، وساروا على نفس الطريق، إلى أن وصلوا المكان الذي تفرقوا منه ليلة الأمس بعد مباغتة رجال الجمارك لهم. فوقف البغل مرة ثانية وأراد أن يطلق نهيقه المزعج كما فعل في الأمس، وحاول ثم حاول لكنه لم يتمكن من أن ' ينبس ببنت شفة '. وقد أدرك المهربون أن للشحمة سحراً عجيباً في كبح جماح النهيق من ذلك البغل الجامح.

اجتاز المهربون الحدود، وباعوا بضاعتهم، وربحوا ما ربحوا، وعادوا مع بغالهم إلى أهلهم سالمين ومسرورين. وقد ذهبت الحادثة مثلاً بين أهل البلدة يستخدمونه لوصف الإنسان المشاكس المعارض الذي يتم ترويضه بأبخس الأثمان، وعنوان ذلك المثل ' ... هل تم تشحيم البغل حتى يكف عن النهيق ؟! ...'.

الاثنين، مارس 26، 2012

مختار العشيرة والقطاريز بقلم عبدالرزاق بني هاني

أذكر، وعندما كنت صغيراً، أن مختار العشيرة في قرية قريبة من بلدتنا كان طويل القامة، أبيض الشعر، جميل الوجه، لكنه كان جاهلاً، ويفتقر إلى الشجاعة. وقد أحاط نفسه، وحسب وصف أهل القرية، بمجموعة من الشباب ' الزعران '، كي يقوموا على خدمته. وكان أهل القرية يسمونهم ' القطاريز '. 

لا أعرف من أين أتت هذه التسمية، لكنني بحثت عن المعاني المقاربة لها في لسان العرب، فلم أجد أقرب من كلمةٍ مصدرها فعلٌ رباعي وهي ' القطربوس '. والقطربوس هو العقرب شديد اللدغ، أو الناقة السريعة. وفي كلا المعنيين رمزية عميقة، وربما قصد أهل القرية أن قطاريز المختار اشبه ما كانوا بالعقارب الغادرة، أو الإبلِ سريعة العدْوْ، التي يحتاجها الإنسان للترحال السريع أو نقل البضائع من مكانٍ إلى آخر بسرعة. 

كان أهل القرية ينظرون إلى القطاريز بعين الريبة، والاحتقار في بعض الاحيان. لكنهم آثروا السكوت خشية من بطش المختار، الذي أذكر مرة ثانية أنه كان جاهلاً ويفتقر إلى الشجاعة ! وقد كانت القرية تتعرض، بين الفينة والأخرى، إلى غزو اللصوص وجناة الليل. وكان القطاريز يعرفون عن تحركات اللصوص ولا يلقون لها بالاً. وبدا لأهل القرية، ولو من باب الظن، وكأن القطاريز كانوا يتقاسمون مع اللصوص ما يتم سرقته من بيوت القرية. 

بينت الوثائق، بعد عدة عقود، أن مختار العشيرة الجاهل، كان يتلهى مع القطاريز الستة في احتساء الخمر والمنادمة، ولعب الورق، ولعبة الفنجان، المعروفة عند قدماء الفلاحين، إضافة إلى أعمالٍ أخرى لم يكن من شأنها أن ترقى بالقرية وأهلها. ومن المفارقات اللافتة أن القطاريز الستة كانوا يحملون ألقاباً غريبة. ومن المحتمل أن أهل القرية (العشيرة) قد خلعوا عليهم تلك الألقاب عبر سنواتٍ من التجربة المريرة مع كل واحدٍ منهم. فقد أطلقوا على أنحلهم جسدأً لقب ' كريم الأهبل '، وعلى أقصرهم ' أبو رغال '، وعلى الكتوم منهم ' الخنزير '، وعلى أطولهم ' التيس الشايب '، وعلى المربوع ' سراق البطيخ '، وعلى آخرهم ' الأجرب '. أما المختار فقد كانوا يلقبونه ' أبو جهل '. ألقاب ومسميات غريبة، لكنها كانت شائعة في مجتمع الفلاحة، ودلت على بعض الصفات والتصرفات التي أنكرها ذلك المجتمع البسيط، وأشارت بدورها إلى قسوة التجربة التي مر بها أهل القرية. فتلك الألقاب تشي بالغباء والخيانة والقذارة والعناد واللصوصية والوساخة، وأخيراَ الجهل !! 

شارك المختار وهؤلاء القطاريز بإقناع بعض الغرباء كي يأتوا إلى القرية من اجل شراء بعض قطع الأراضي من بعض العائلات التي تحتاج المال في تعليم ابنائها عند شيخ الكُتاب، ثم إرسالهم إلى دمشق أو القاهرة لإتمام تعليمهم الجامعي. وكان مدخل المختار وقطاريزه في إقناع أهل القرية بقبول الغرباء وبيعهم الأراضي أن تحسين معيشة أهل القرية وتحقيق أحلامهم حول أبنائهم يستوجب التعاون مع الغرباء وبيعهم الأرض الفائضة عن مساحة ' الحاكورة '، أي المساحة الفائضة عن حاجة العائلة من الأرض الزراعية. 

بعد مرور ثلاثين سنة، أو ما يزيد قليلاً، وجد أهلُ القرية الأصليين أنهم أصبحوا أقلية في قريتهم، وأن الأرض الجيدة، الصالحة للزراعة، قد ذهبت إلى الغرباء الذين بنوا عليها قصوراً، وعليها أسسوا البساتين والجنائن الخلابة، وزرعوها بالأشجار من ألوان شتى. فاضطر أبناء القرية القادرين على العمل أن يعملوا عند الغرباء حراساً وحراثين، وأجبرَ أهل القرية على الرحيل ليسكونوا عند مصاب الأودية التي حولتها الحكومة مع الزمن إلى قنوات لتصريف المجاري والمياه العادمة. وها قد مرت خمسون سنة على تلك القرية المنكوبة، وما زال المسنون الذين بقوا على قيد الحياة يتذكرون المختار والقطاريز الستة، ويشتمونهم على النصائح التي أدت إلى افقارهم وتجريدهم مما كانوا يمتلكون من أرض، وكيف أحالتهم إلى حراثين وحرس، ليس لهم قيمة إلا في ما يتقنون من أعمال. وقد سمعت من بعض المسنين ألوان الشتم الذي كالوه على المختار ' أبي جهل '، وعلى ' أبي رغال ' الذي كان له الدور الرئيس في كشف سوأة اهل القرية، وبان لي أن أهل القرية قد أسموا قصير القامة ' أبو رغال ' لظنهم أن دوره لم يختلف عن دور أبي رغال الثقفي عندما عمل دليلاً لجيش أبرهه الشرم عندما أراد أن يهدم الكعبة المشرفة. 

التقطت الشاعرة عزيزة بني هاني تلك الحكاية وهي تذرف الدمع، وأنشأت تقول: 

قـبـحـكَ الـلـهُ أبـا رغـالْ ... مـا زلـتَ سـوءاً فـي الـمـثـالْ 
إذ أن شـيـنــَـك مـا ثـلٌ ... لـلـعـيـن ِ مـن قـبـح الـخـصـالْ 
كـأنـهُ نـارُ الـقِـرى ... مـُحـمّـلا ً عـلـى الـجـمـالْ ...
كـالـجـرح ِ فـي وجـهٍ جـمـيـلْ ... مـا انـفـك إلا أن يَـبـان ْ 
ورّثـتَ نـسـلا ً سـادرا ً ... فـي الـقـبـح ِ يـبـدو لـلـعـيـان ْ
ما زالت الصورة ماثلة أمامي، وهي صورة تختزل المشهد كله !

الأحد، مارس 25، 2012

عبد الرزاق يتحدث عن معضلة الفساد في الاردن




تبدأ jo24 بتقديم مداخلات متلفزة لشخصيات سياسية واعلامية بارزة يتناولون فيها قضية هامة تشغل الرأي العام ونتيح الفرصة لجمهورنا الكريم التعليق على المادة وابداء رأيهم بمضمون المداخلة من خلال تعليق نصي او متلفز .

وفي حالة اختار ارفاق تعليق مصور نتمى ان يتم تزويدنا به من خلال زاوية (ارسل لنا ) حيث يسمح بتحميل الفيديو في المساحة المخصص لتحميل الصور والمواد الفلمية .. 

راجين ان تلقى هذه الخدمة الجديدة استحسانكم ..

التعليق السياسي الاول للدكتور عبدالرزاق بني هاني يتحدث فيه عن معضلة مكافحة الفساد في بلادنا وكيف انها افرغت من مضمونها من خلال الممارسة الانتقائية واستهداف اشخاص بعينهم وملفات بذاتها ..

الأحد، مارس 18، 2012

بُنية الفساد

د. عبدالرزاق بني هاني

في الحقيق، ومن باب الانصاف للكاتب والقارئ, لا أعرفُ من أين أبدأ. فالواصفُ يعجزُ عن وصفِ الموصوفِ بكلماتٍ قليلة, لأن الموصوفَ ضخمٌ, وخطرهُ جامح. ولكون الموصوف, وهو الفساد, قد بدأ بشخصٍ أو أشخاصٍ قليلين, أو بسبب تشريعٍ أو نقصٍ في التشريع,الا أنه مع الايام, ونتيجة لتقاعسنا المعنوي, وإفلاسنا الفكري, وخوفنا من اداء واجباتنا الاخلاقية, والارهاب الذي مارسته فئة الفاسدين على الناس والمجتمع, أصبح هذا الفساد إفساداً, وأصبح مؤسسة, مادية ومعنوية ... راسخة الاوتاد ... عالية البنيان ... قوية الاركان ... عامة طامة ... تسعى بيننا ونحن نحسبُها صلاحاً ... نعيشُ خلالها وفي جوفها ونحن نحسبُ أننا خارجها... تحكمُ سلوكنا وتصرفاتنا, من حيث نعلم ولا نعلم ... 

وإذا كنا نظن أننا أمسكنا بها, أو سنمسك بها بسهولةٍ ويسر, فإننا نكون واهمين. أو كمن يذرُ الرمادَ في العيون, أو يدفن رأسه في الرمال كي لا يرى الحقيقة المُرة, أو كمن يخدع نفسه. لأن ما صنعه الفاسدون, خلال العقود الماضية, أصبح شائكا ومعقداً, وأخذ أشكالا مادية لها أساسات وأعمدة وجدران. وهي أصعبُ من أن نتعرفَ عليها ونشخصها بسهولة ... وأصعبُ من أن ننهيها, أو نمحوها خلال أيامٍ قليلة ...

نظرتُ في قضايا الفساد, واستمعت إلى ما يزيد على مئة شخص, رجالا ونساء , وانني حللتُ, وقارنتُ, وقاربتُ, في محاولةٍ موضوعيةٍ, جادة, لمعرفة أسباب حدوث الفساد ودوافعه ومحركاته. فاصطدمت بواقعٍ مريرٍ مُحزن, حينما وجدت أن القضايا التي نظرتُ فيها ما هي الا مجردُ اعراضِ الفساد الذي تغلل بيننا, وليس الفسادُ بعينه. ويقيني أن الفساد بمعناه الحقيقي, الشمولي, هو صفة ملازمة ,يسير جنباً إلى جنب مع الدولة الضعيفة... الدولة التي يكون فيها الناسُ مجرد رعايا ضعفاء, لا مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات. وفي هذه الدولة تكون السلطةُ مطلقة, أو ما شابه. والضعفُ هنا ليس ضعفاً اقتصاديا, بل هو وهنٌ وخورٌ في هيكل الدولة, ومؤسساتها المتهاوية, وأشخاصها, وأفكار الناس وأخلاقهم.

وهاكم المظاهر التي بانت أمامي:...

قوانين ما زالت نصوصها قاصرة عن تحقيق العدالة التي نصبوا إليها, وتفتقر إلى آليات التحقق والموازنة (checks and balances), تكون مرجعاً لا يمكن تجاوزه بسهولة.قوانين تحتاج إلى تعديلاتٍ وعملٍ دؤوب كي تصبح صالحة لمحاسبة كل فاسدٍ, أفسد في الماضي, وما زال يُفسد في الحاضر, وقد يفسد في المستقبل.واقتصادٌ متهالك نبقيه حياً بالمُسكنات اليومية, بحبلٍ من الله ومعجزاته, وقروضٍ يُرادُ منها أن تركعنا جميعاً مقابل استحقاقات سياسية مُحددة.ورجالُ دولةٍ فاسدون, عملوا ليل نهار حتى أوصلونا إلى ما نحن فيه.ومجتمعٌ مُفتت, عَمِلَ المُفسدون على تدمير أساساته, ونقض نسيجه. من اجل ماذا? من اجل أن يبقوه ضعيفاً أمام مغريات الحياة المتهافتة, ومن اجل سقط المتاع, ومن اجل المال والشهوة, ومن اجل أن يتمكن منه العدو حينما يشاء, وكيفما يشاء... 

تسليعٌ (commodification) منظمٌ للشرف, والافكار والاعلام. أي جعلها سلعة تباعُ وتشترى كما يُشترى الاكل والشراب.وثقافةُ فسادٍ, نقضي حياتنا وحاجاتنا اليومية بموجب عرفها وقوانينها غير المكتوبة, وننهل منها مواقفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولم يَعد معروفاً على وجه اليقين, للحليم منا, أن فساد الثقافة هي ما أنتج الفساد, أم أن الفساد أنتج ثقافة فاسدة, فالحليم فينا حيران. ومناهج تربوية فاشلة, أراد منها المخططون الفاسدون أن ينتجوا مواطناً يقدمُ مصلحتهُ على كل المصالح, مواطنٌ أناني لا يعرفُ الا نفسه, وإذا بالغ فإنه يعرف عشيرته وبلدته مسقط رأسه, ويقدمُهُماعلى وطنهِ, وأبناء وطنه. وإذا قلت له شيئاً عن الوطن والوطنية سخر منك, لأن هاتين الكلمتين ليستا في مفردات قاموسه.ولأننا لا نعيش في وطن, بل في جغرافيا سياسية مشوهة, ومجتمع مشرذم حتى النخاع.ومن الامثلة الصارخة على ذلك أن جعلوا البداوة, التي هي مجرد طريقة حياة, كأنها عرق.فمُخطِط السياسة المدمرة يتصرفُ وكأننا نعيش على رقعة جغرافية مترامية الاطراف.

إن هول المأساة التي تكتنفنا, من حيث لا نعلم, تكمن في أن كل واحدٍ منا يغني على ليلاه... كأنما يغني في طاحونة, لا يسمع الا نفسه, أو كمن يرقصُ في عتمة, لا يرى الا نفسه. وكما قال أفلاطون: إن أعدل الاشياء قسمة بين الناس هو العقل.فليس هناك مكانٌ للحكمة... لأن كلَ واحدٍ منا يظن في نفسه أنه الاصلح والافهم. فالحكومةُ ومؤسساتُها لا تسمع, لأنها تظن أنها هي الاقدر على إدارة المرحلة لوحدها من دون التحدث مع مواطنيها, والاحزاب لا تسمع لإنها مؤدلجة, وإدلوجاتها الضيقة هي الحَكَمُ على ما يجري. والفرد والجماعة لا يسمعون.

لقد وضع الفاسدون أسافين بيني وبينك... وبين الناس... كي يفرقوا شملهم... ويشتتوا كلمتهم... إسفينٌ بين الشرق والغرب... وإسفينٌ بين الشمال والجنوب... وإسفينٌ بين المسلم والمسيحي... وإسفين بين العربي وغير العربي... فهذا سلطي... وهذا كركي... وهذا بدوي... وهذا فلسطيني... وهذا شركسي... وهكذا... وهكذا... حتى انتقلت العدوى إلى العشيرة... والفخذ من العشيرة... والعائلة والاسرة... وانتقلت الخلافات إلى الجامعات التي انقلبت قاعاتها ومدرجاتها من أماكن للعلم والتنوير والمعرفة وترسيخ الوطنية... إلى ساحات لتصفية الحسابات, والفرقة والتجهيل. ليس بمحض الصدفة, بل بفعلِ إفسادٍ منظم...بفعل فاعلٍ خبيث, عبر سنوات وعقود. أراد هذا الفاسد أن تشيع الفتنة والفرقة بين الناس, حتى يسود هذا الفاسد وتخلو له الساحة, وينفذ مخطط الفساد الذي يريد, كي يقتتل الناسُ على كراسي التمثيل, والسلطة الزائفة, ويتماهى الكلُ مع حالة الفساد المرعبة.وجهزوا لك مجموعة من الفاسدين الذين إذا ذكرت الله وحده لعنوك, وإذا قلت إن أريدُ الا الاصلاح ما استطعت شتموك, ... وإذا أسديت نصيحة سفهوك وتفهوك. ووالله لو عُرضت الحال التي نعيش على أعظم الحكماء فقهاً وعمقاً وفهماً, لاحتار من أين يبدأ وأين ينتهي, واحتار في معالجة الامر.
لا أقول ذلك من قبيل فقدان الامل, أو الأيس من روح الله... لأن فقدان الامل خطيئة... والأيس من روح الله كفرٌ بواح...ولكن لأنني شخصت الحال حسب مدركاتي الشخصية وجربته بواقعية, فوجدته أصعبَ من أن يوصفَ بكلمة أو جملة أو مقالة أو كتاب. ما تليق به موسوعة ضخمة تتحدث عن الفساد وتعريفهِ وأشكالهِ وألوانهِ وأنواعهِ التي تغلغلت في شرايين حياتنا, وأصبحت عاداتٌ وموروثات, وأوثان نعبدها من دون الله, ومن ثم سلوك وتصرفات تتحكم بنا من حيث نعلم أو لا نعلم.ويأتي اختلاس المال العام فيها على قائمة الاشياء الاقلُ خطراً. وليس الكاتب أو القارىء بمنأى عن خطر هذه الاشكال والالوان من الفساد. فهي تلفُ حياتنا وتتلفُها, وتقض مضاجعنا, وتدمر المفاهيم والقيم التي تعلمناها من عقيدتنا السمحة, وتراثنا الفكري والاخلاقي العظيم, وتشوه تاريخنا كأمةٍ صنعت مجداً في الغابر من الايام, لكننا في هذا الزمن الزامن نندرج في قاع القائمة من حيث النزاهة والاخلاق والوطنية والقيمة المضافة التي نقدمها إلى الدنيا, وكل ذلك بسبب الفساد وفعله.فهذا الزمن هو زمن الفساد بامتياز, وزمن ألعن من زمن الجاهلية الاولى, والحال فيه مربكةٌ إلى حدٍ لم نستطع عنده التفريق بين الغث والسمين, والصالح والطالح.
مقبولٌ من كل شعوب الارض أن تحب أوطانها الا أنت وأنا, لأن محبتنا لوطننا المنكوب بالفساد والمفسدين تُصنف تحت عناوينٍ شتى... منها الفتنة أو الاقليمي... ومنها الجهوية...والعمالة للأجنبي... وحب المناصب... والفوضى والمناكفة.
ومما يؤسف له ويدمي القلب أن هذا الزمن هو زمن الفهلوة وإدارة الفهلوة. فإذا كنت كبيراً اسرق وانهب ما استطعت لإنه ليس هناك من يحاسب.وكن عميلاً, هدفك أن تدمر المجتمع والدولة والناس أجمعين الا اللصوص من أمثالك... لأنه لن يجرؤ أحدٌ على سؤالك أو محاسبتك... وإذا قلت كلمة تريد فيها وجه الله... يخرج عليك ألف شتام... ولعان... ومغتال... ممن دُفع لهم... أو تبرعاً منهم... لا لشيء بل من اجل أن يكونوا في زمرة أبي لهب, أو زمرة بيليتوس البنطي.

ياللعار والشنار... كم أشعر بالاشمئزاز... فقد قتلوا النفس... وداسوا على كرامات عباد الله... وما تبقى بعد النفس والعرض والكرامة... جسدٌ لا يختلف عن جسد أي كائن حي, حتى ولو كان كلباً.

في الوقت ذاته كممت أفواه الفئة القليلة التي تقول "... يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم... يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله... شهداء بالقسط... وطوبى للمصلحين... الذين يُصلحون ما أفسد الناس..."... ومن كثرة سكوتنا على الفسادِ واستشرائهِ بين ظهرانينا... ضاعت الحقوق... وحُبس المطر... وأنتشر الفقر والجوع والعوز والجريمة والتسول والرشى والنصب والاحتيال بين الصغار والكبار... فسادٌ لا يوفر أحداً... يطيح بنا جميعاً... الكبير قبل الصغير... وبالتالي كان الفسادُ, بتلك الاشكال والالوان, هزيمة نكراء للمجتمع وافراده, ونصراً مبيناً مؤزراً لإرادة الشر والشيطان.

إن المضحك المُبكي أن محاربة الفساد والمُفسدين تتم في بعض الاحيان من فاسدين, أو عاجزين عن قول كلمة الحق... لقاء ماذا يسكت المعنيون بمكافحة الفساد? لقاء الكرسي الزائف, والسلطة الفارغة التي ستكون حسرة وندامة على من لم يأخذها بحقها.لقد سكتوا من اجل الشعور بنشوةٍزائلة, وعظمةٍ هي أقربُ إلى الاحتقار من عظمةٍ حقيقية.وكل ذلك من قبيل خلط الاوراق وايهام الناس.
كيف ترقى المجتمعات وتتطور? لا أقصد هنا الرقي أو التطور الصناعي, لكنني أقصد الرقي والتطور السياسي والاجتماعي, الذي هو أساسٌ لكل رقي وكل تطور وكل عظمةٍ يتمناها أي إنسان سوي. سؤال طرحه كثيرٌ من الفلاسفة, وطرحه من أرادوا الارتقاء باوطانهم, ونشلها من براثن التخلف والتسلط والفوضي والنكوص, إلى مراتب المدنية الحقة, وإلى مراتب العظمة الحقيقية.
لقد كان هناك إجماعٌ بين فلاسفة التطورين: السياسي والاجتماعي, ومنهم ماكس ويبر, على أن المجتمع يقوم تلقائياً بعملية انتخاب طبيعي للأفكار والقيم, وانتقائية للعقل والمبررات المنطقية (elective affinity).فيصمدُ منها ويبقى ما يصلح للناس, ويندثر ويتلاشى ما يضر الناس.ومن الافكار والقيم التي تصمد يُصاغ ما يسمى القانون الاجتماعي (natural law). وهذا القانون غير المكتوب هو الذي بموجبه يتعامل الناس, ويُصاغ منه فيما بعد القانون الوضعي. وبالتالي فإن حكم القانون, وليس أي قانون, بل القانون الرادع, هو المبدأ الاساس الذي ترتكز عليه عملية التطور.

لقد عرّفَ فلاسفة القانون... أن حكم القانون هو حكم إرادة المجتمع. وقد عرّف جون أوستِن القانون باعتباره قاعدة وضعت كي تحكمَ سلوك كائنٍ عاقل من قبل كائنٍ عاقل آخر يملك سلطة عليه.

عند حدوث الفساد, من دون أن يُعاقبُ عليه الفاسد مهما كانت مرتبته, ووضعه الاجتماعي, بحكم القانون الرادع, فإن حُكم غير العاقلين على غير العاقلين يغدو نتيجة منطقية. ويصبح الناسُ وكأنهم يعيشون في الغاب, وتصبح شريعة الغاب هي القانون السائد, القوي يأكل الضعيف, والكبير يأكل الصغير, وتتجرد حياة الناس من كل ما يجعل لها قيمة.وهذا, مع كل الحزن والاسى, ما آلت إليه البلادُ وحُكِمَ به العباد في ارض الحشد والرباط. صعد الفاسدون إلى الطبقات العليا, وضعوا السياسات الفاسدة, ونفذوها بحذافيرها, حتى أغرقونا إلى جباهنا بمشاريع اقتصادية فاشلة, وديون وتبعية بالغة الخطورة, من دون أن يرف لأحدهم هدب عين. تعهد هؤلاء الفاسدون في يومٍ من الايام بأن يطعموا الملأ مناً وسلوى, وسمناً وعسلاً, وأن يسكنوهم في قصورٍ وبيوت, وأن تكون مدارسنا وجامعاتنا مناراتٍ للعلم, يقصدها سوية الناس, ويهتدي بها المهتدون. لكن النتيجة التي نراها على ارض الواقع بعيدة كل البعد عن كل ذلك. فقد قصدوا أن يملأوا حساباتهم من جيوب الناس, وأن يحبطونا ويخذلونا, ومن ثم تدميرنا.

يا لهول المصيبة التي تشبه سرطاناً, يفتك في جسد الامة ببطء وخبث, ومن دون أن نحس به الا بعد فوات الاوان. لقد بنى هؤلاء الفاسدون هياكل عملاقة من الفساد, تتكون أركانها من اقتصادٍ فاسد, ومن ثقافة فاسدة, ومن مؤسسات اجتماعية فاسدة, ومناهج تربوية وفكرية فاسدة, كان هدفها أن يكون الفساد عرفاً يقبل به الناس طوعا أو كرهاً. لكن الامل معقود على إدراك جلالة الملك وحرصه, والمؤسسات التي لم يلفها الفساد بعد, أن تتنبه إلى أننا في حاجة ماسة لثورة يقودها الملك قبل فوات الاوان.

* أمين عام وزارة التخطيط الأسبق .

* عضو سابق في هيئة مكافحة الفساد .

المقالة منقولة عن موقع العرب اليوم.

الأربعاء، مارس 14، 2012

قضايا الفساد الراهنة

نقلاً عن أخبار بلدنا 
تملك 36 عائلة غالبية الشركات العامة في الأردن بحسب العضو السابق في هيئة مكافحة الفساد عبد الرزاق بني هاني.

ونقلت صحيفة السبيل اليومية الأربعاء عن بني هاني قوله إن 36 عائلة تمتلك 95 في المئة من ملكية 265 شركة عامة .

وأضاف بني هاني متحدثا يإحدى الندوات أن القيمة السوقية لتلك الشركات 30 مليار دولار

كان بني هاني قدم استقالته من عضوية هيئة مكافحة الفساد لاسباب مهنية، وكان قد شغل أيضا نصب أمين عام وزارة التخطيط وعضوا سابقا في هيئة الاوراق المالية.

الاثنين، مارس 12، 2012


الكاتب : محمد خير طيفور

 د. عبد الرزاق بني هاني العضو المستقيل من هيئة مكافحة الفساد - أمين عام وزارة التخطيط الأسبق - حدد لنا مفهوم بنية الفساد من خلال محاضرة ألقاها في الندوة التي انعقدت في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة . وقد سلط الضوء على التساؤلات الآتية :

 1- ماذا نعني بقضايا الفساد التي يتناولها الإعلام والمواطنون ؟

2 – وهل لنا أن نمسك بمؤسسة الفساد ؟ وما هي أسباب حدوثها ؟

 3 - ماذا نقصد بمفهوم المخربين الجدد ؟

 4 – هل لغياب الإرادة سببا في تفشي الفساد ؟

 5 – هل نحن نعيش في وطن له جغرافية سياسية واضحة ؟

 6- هل نحن في زمن الفساد والفهلوة بامتياز ؟ وقد أجاب المحاضر عن الأسئلة السابقة حسب وجهة نظره بما يأتي : "إن قضايا الفساد التي يتناولها الإعلام والمواطنون ليست سوى القطع الأقل أهمية في اللعبة .

 فحقيقة الفساد أعظم من مجرد قضية اختلاس هنا أو هناك بل هي لعبة كاملة وشاملة والفساد ضخم وجامح اجتاح كل زاوية في أركان الدولة والمجتمع بسبب نقص في التشريع أو أخطاء مسؤولين , وأصبح الفساد بمرور الوقت مع الإرهاب الذي يمارسه الفاسدون إفسادا ومؤسسة نعيش خلالها وفي جوفها ونحسبها إصلاحا وهي تحكم من خلالنا .

ثم تابع قوله : إذا كنا نظن اننا سنمسك بمؤسسة الفساد نكون واهمين لأن ما صنعه الفاسدون خلال عقود أخذ شكلا ماديا له أعمدة وجدران يصعب التعرف عليه إو إزالته بسهولة وسنحتاج إذا بدأنا اليوم لأكثر من عقدين إلى تحويل الحالة الفاسدة إلى اقل فسادا لأن الإعمار أصعب من التخريب والتخريب الاقتصادي الذي حدث في السنوات العشر الماضية على يد المخربين الجدد يحتاج الى 30عاما لإصلاحه إلا إذا حدثت معجزة' وأضاف قائلا : نظرت في كثير من قضايا الفساد وبحثت موضوعيا في أسباب حدوثها فوجدت أنها مجرد أعراض للمرض وأن الفساد الحقيقي يسير جنبا الى جنب مع الدولة الضعيفة التي تؤمن بالسلطة المطلقة وفيها الرعايا ضعفاء ومفكروها مصابون بالعجز وبلا إرادة وبحالة السكوت والتقوقع .

ووصف 'فئة المخربين الجدد الذين أثروا على حساب الشعب وهم ليسوا سوى مارقين أفاقين لعبوا على المجتمع والدولة بمشاريع وهمية تشبه السيرك وبهلوانهم الكبير جند عددا من أبناء البلد لإضفاء الشرعية الاجتماعية على أعمالهم وشرّعوا القوانين وفككوا ممتلكات الدولة بهدف تركيعها وفككوا المجتمع لدفعه للاستسلام لقدر مجهول ونجحوا في تكريس الجهوية وتكسير هيبة الدولة وأوصلوا البلد الى المديونية الكبيرة وعجز الموازنة ' واعتبر المحاضر أن' غياب الإرادة سببا في تفشي الفساد واستغلال الشعب' وعرض لمفارقة مفادها أن' المسؤول الفاسد في الغرب ينتحر إذا ما اكتشف فساده وعندنا طبقة تدافع دائما عن الفاسدين والإرادة الحرة للمواطن الأردني انكسرت الآن أمام الشبق الى السلطة ورياح الفساد وتم خداعنا حتى وصلنا الى حد لم نعد معه معنيون بمعرفة الحقيقة. وقد أولينا أمر التنمية الاقتصادية والسياسية الى مجموعة من الدجالين خدعونا' وأضاف' ما تم في بلادنا تزوير لإرادة الشعب وإرادة ممثليه النواب فانفردت السلطة التنفيذية في التشريع وحصل زواج محارم بين السلطة والمال والمشاريع الوهمية والتخاصية قادتها مجموعة متنفذين فاسدين وصور الفساد تداخلت عندنا بطريقة مريعة...


من نصوص دستور قاصرة تفتقر الى آليات لتحقيقها وقوانين غير صالحة لمحاربة الفساد واقتصاد متهالك نبقيه حيا بالقروض مقابل استحقاقات سياسية ورجال دولة فاسدين ومجتمع مفتت أساسه مدمر ونسيجه متهتك أضعفه الفاسدون إلى تسليع  منظم للإعلام، أي جعله سلعة تباع وتشترى، وثقافة فاسدة ومناهج فاشلة تنتج إنسانا أنانيا يقدم العشيرة على الوطن.


وتابع يقول :نحن بالمحصلة لا نعيش في وطن بل جغرافيا سياسية مشوهة ونحن وفق نظرية الضوضاء السياسية نعيش في مستنقع يتراشق من فيه بعضهم بعضاً في كل الاتجاهات وجميع الإشارات الضوئية مفتوحة والهدف من هذه الحالة هروب الفاسدين بعد أن يصفي الناس بعضهم وبعد أن وضع الفاسدون أسافين بين المواطنين حتى انتقلت العدوى الى العشيرة والجامعة وهذه ليست صدفة بل مخطط ليسود الفساد بينما يقتتل الناس على كراسي التمثيل . وعبر المحاضر عن قناعته بأن 'اختلاس المال العام يأتي في أدنى درجات قائمة الفساد والأقل خطرا في الحلقة فهذا زمن الفساد بامتياز وزمن الفهلوة وإدارتها. والفاسدون يترصدون الشرفاء ومحاربة الفساد تتم أحيانا من قبل فاسدين, وبعض من هم معنيون بمحاربة الفساد صمتوا عن ملفات من أجل الكراسي .


هكذا أجاب المحاضر عن كل التساؤلات من وجهة نظره الخاصة وأرى في أن الفساد ليس مفردة مجردة من مضمونها بل تعني الشيء الكثير والمخفي أعظم ، لأن الفساد كما أرى هو منظومة مسلحة قوية لها فروع وأصول وجيش عرمرم من الفاسدين المدافعين عنه ، كما حصل في مجلس النواب من تصويت لتبرئة المتهمين في الفساد دون محاكمة مما أبكى النائب الشقران - رئيس لجنة التحقيق النيابية في ملف الفوسفات – و 37 نائبا الذين أصروا على إحالة ملف الفوسفات للقضاء وكان الوضع مختلفا من قبل من صوتوا على التبرئة للمتهمين بالفساد دون محاكمتهم مما يعني أننا دخلنا في دائرة الشك وأصبحنا نؤمن في أن للفساد جيش عرمرم من المدافعين عنه وعلى الشعب أن لا يسكت على مايحدث في هذا البلد من مفارقات ومهازل عندما يترك الفاسد الحقيقي ويكون الغير هو الفاسد وكل ذلك بدون توجيهات التهم لهم وهم رموز الفسادالحقيقيين. حماك الله يا وطني وحمى قيادتك الحكيمة التي نطلب من الله أن يرزقه بطانة صالحه تقود الوطن إلى تجاوز محمنته .

الخميس، مارس 08، 2012

سؤال لرئيس الوزراء

جراسا نيوز -

ذكّر العضو المستقيل من هيئة مكافحة الفساد الدكتور عبدالرزاق بني هاني رئيس الحكومة عون الخصاونة بوعد قطعه على نفسه وامام بني هاني بالاطاحة برؤوس الفاسدين.

وتساءل بني هاني في تغريدة بعث بها الى الخصاونة عبر حسابه الخاص على تويتر ورصدتها 'جراسا نيوز' :' دولة الرئيس الافخم, اين وعدك الذي قطعته على نفسك وامامي بانك ستطيح برؤوس الفاسدين؟ قلت لي ان عواقب الصبر محمودة'.

وفي سياق متصل , قال الدكتور عبدالرزاق بني هاني ان الاردن يحتاج الى 'المعجزة الالهية' ومساعده خارجيه كبيره للتخلص من المديونيه و من عجز الموازنه بعد أن بلغت 20 مليار دولار.

وتساءل بني هاني في ندوة بعنوان 'مكافحة الفساد خطوة على طريق الإصلاح' نظمها حزب جبهة العمل الإسلامي في اربد حول رفض مجلس النواب احالة ملف الفوسفات الى القضاء الامر الذي اثار استياء المحاضر عبر عن 'ألمه' من طي المجلس للملف وقال : 'هل العدالة خاضعة للتصويت'.

واعتبر بني هاني 'الفساد ليس عفويا في بلدنا بل له من يحميه ومن يدافع عنه وهناك من هم فوق المساءلة' ، و ان بعض 'الاسماء البهلوانية' وفقا لقوله يمنع الاقتراب منها لانها فوق المحاسبة وكل من يتحدث عنها يصبح مهددا بحياته وحياة ابنائه.

وطالب بني هاني القوى السياسية والاجتماعية على الساحة بتبني مطلب محاربة الفساد والفاسدين وان لا تشكل لهم اية حماية او تغطية خاصة من العشائر التي ما عرف عنها الا الاخلاص للوطن والامة.

وابدى استغرابه لما قال انها'رسائل عديدة وصلته من قبل رئيس الوزراء الدكتور عون خصاونه بأن لا يلبي الدعوة لإلقاء المحاضرة من خلال منبر حزب جبهة العمل الاسلامي'.

ونوه بني هاني ان 1%من سكان الاردن يمتلكون حوالي 98% من مقدراته الماليه وهذا الامر جعل المواطن الاردني يعيش تحت خط الفقر.

ولفت بني هاني ان سبب استقالته من الهيئة يعود لعدم وجود نوايا حقيقية لمحاربه الفساد واجتثاثه،مشيراً الى وان الفاسدين و المفسدين طلقاء و ما يتم الحديث عن القاء القبض على بعض المفسدين آنما كمثل من يفك برغي صغير من آله كبيره وماهي الا أكباش فداء لحماية من قادوا مرحلة التخاصية وسرقوا مقدرات البلد.

محاضرة في الجمعية الأردنية للثقافة والعلوم

في ندوة حول بنية الفساد بـ (الأردنية) للعلوم والثقافة
بني هاني :استقالتي من هيئة مكافحة الفساد لم تكن بضغط من أحد
بعض المعنيين بمحاربة الفساد صمتوا عن ملفات من أجل الكراسي












2012/03/08
العرب اليوم - هشام زهران


اجتهد العضو المستقيل من هيئة مكافحة الفساد الدكتور عبد الرزاق بني هاني - أمين عام وزارة التخطيط الأسبق- بشرح مفهوم "بنية الفساد" مجريا في الندوة التي انعقدت في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة أمس الأول مقارنة هندسية بين لعبة "الليغو" وعملية الفساد معبرا عن قناعته ان قضايا الفساد التي يتناولها الإعلام والمواطنون ليست سوى القطع الأقل أهمية في اللعبة. فحقيقة الفساد أعظم من مجرد قضية اختلاس هنا او هناك بل هي لعبة كاملة وشاملة والفساد ضخم وجامح اجتاح كل زاوية في أركان الدولة والمجتمع بسبب نقص في التشريع أو أخطاء مسؤولين, وأصبح الفساد بمرور الوقت مع الإرهاب الذي يمارسه الفاسدون إفسادا ومؤسسة نعيش خلالها وفي جوفها ونحسبها إصلاحا وهي تحكم من خلالنا "على حد تعبيره".


وإن كان بني هاني تجنب في الندوة التي أدارها عضو الجمعية م.نجاتي الشخشير الخوض في تفاصيل استقالته من هيئة مكافحة الفساد لقناعته أن الإرادة الخيرة في المجتمع الاردني تقابل بالتشكيك إلا أنه في خضم النقاش المستفيض مع الحضور فجّر مفاجآت من عيار ثقيل تتعلق بقضايا فساد عايشها وتتناول أسماء كبيرة ومعروفة - تحجم "العرب اليوم" عن التطرق لتفاصيلها - لأن بني هاني وعلى حد تعبيره"لم يكن يوما ما يتوقع أن يحل الربيع العربي ليحتفظ بوثائق رسمية عنها"لكنه أكد مجددا أنه استقال من هيئة مكافحة الفساد بإرادته الخيرة ولم يضغط عليه احد وكان قراره ذاتيا وسببه قناعته بأنه" لولا الثقافة الفاسدة لما بيعت البلد دون أن نتحدث عن من باع"


بني هاني بدا متشائما في قناعته بجدية نهج محاربة الفساد فقال " إذا كنا نظن اننا سنمسك بمؤسسة الفساد نكون واهمين لأن ما صنعه الفاسدون خلال عقود اخذ شكلا ماديا له أعمدة وجدران يصعب التعرف عليه او إزالته بسهولة وسنحتاج إذا بدأنا اليوم لأكثر من عقدين إلى تحويل الحالة الفاسدة إلى اقل فسادا لأن الإعمار أصعب من التخريب والتخريب الاقتصادي الذي حدث في السنوات العشر الماضية على يد المخربين الجدد يحتاج الى 30عاما لإصلاحه إلا إذا حدثت معجزة"


وتابع يقول"نظرت في كثير من قضايا الفساد وبحثت موضوعيا في أسباب حدوثها فوجدت أنها مجرد أعراض للمرض وان الفساد الحقيقي يسير جنبا الى جنب مع الدولة الضعيفة التي تؤمن بالسلطة المطلقة وفيها الرعايا ضعفاء ومفكروها مصابون بالعجز وبلا إرادة وبحالة السكوت والتقوقع"


وفتح بني هاني النار على من وصفهم "بفئة المخربين الجدد الذين اثروا على حساب الشعب وهم ليسوا سوى مارقين أفاقين لعبوا على المجتمع والدولة بمشاريع وهمية تشبه السيرك وبهلوانهم الكبير جند عددا من أبناء البلد لإضفاء الشرعية الاجتماعية على أعمالهم وشرّعوا القوانين وفككوا ممتلكات الدولة بهدف تركيعها وفككوا المجتمع لدفعه للاستسلام لقدر مجهول ونجحوا في تكريس الجهوية وتكسير هيبة الدولة وأوصلوا البلد الى المديونية الكبيرة وعجز الموازنة "


واعتبر بني هاني أن" غياب الإرادة سببا في تفشي الفساد واستغلال الشعب" وعرض لمفارقة مفادها أن" المسؤول الفاسد في الغرب ينتحر إذا ما اكتشف فساده وعندنا طبقة تدافع دائما عن الفاسدين والإرادة الحرة للمواطن الأردني انكسرت الآن أمام الشبق الى السلطة ورياح الفساد وتم خداعنا حتى وصلنا الى حد لم نعد معه معنيون بمعرفة الحقيقة. وقد أولينا أمر التنمية الاقتصادية والسياسية الى مجموعة من الدجالين خدعونا"


وأضاف" ما تم في بلادنا تزوير لإرادة الشعب وإرادة ممثليه النواب فانفردت السلطة التنفيذية في التشريع وحصل زواج محارم بين مشاريع وهمية وتخاصية قادتها مجموعة متنفذين فاسدين وصور الفساد تداخلت عندنا بطريقة مريعة... من نصوص دستور قاصرة تفتقر الى آليات لتحقيقها وقوانين غير صالحة لمحاربة الفساد واقتصاد متهالك نبقيه حيا بالقروض مقابل استحقاقات سياسية ورجال دولة فاسدين ومجتمع مفتت أساسه مدمر ونسيجه متهتك أضعفه الفاسدون إلى تسليع منظم للإعلام وثقافة فاسدة ومناهج فاشلة تنتج إنسانا داروينيا وأنانيا يقدم العشيرة على الوطن"


وتابع يقول"نحن بالمحصلة لا نعيش في وطن بل جغرافيا سياسية مشوهة ونحن وفق نظرية الضوضاء السياسية نعيش في مستنقع يتراشق من فيه بعضهم بعضاً في كل الاتجاهات وجميع الإشارات الضوئية مفتوحة والهدف من هذه الحالة هروب الفاسدين بعد أن يصفي الناس بعضهم وبعد أن وضع الفاسدون أسافين بين المواطنين حتى انتقلت العدوى الى العشيرة والجامعة وهذه ليست صدفة بل مخطط ليسود الفساد بينما يقتتل الناس على كراسي التمثيل"


وعبر بني هاني عن قناعته بأن "اختلاس المال العام يأتي في أدنى درجات قائمة الفساد والأقل خطرا في الحلقة فهذا زمن الفساد بامتياز وزمن الفهلوة وإدارتها. والفاسدون يترصدون الشرفاء ومحاربة الفساد تتم أحيانا من قبل فاسدين, وبعض من هم معنيون بمحاربة الفساد صمتوا عن ملفات من أجل الكراسي"


رئيس الجمعية المهندس سمير الحباشنة علق في مداخلة له على حديث المحاضر بالقول" مكافحة الفساد لا تتم وهزيمته لا تكتمل إلا إذا حصرنا الفساد في نقاط ضيقة حتى لا ينتشر وهذا يتم بالعمل المؤسسي وتفعيل اذرع الدولة ويجب أن تتحالف القوى الخيرة في بلدنا في إطار سياسي لتواجه الخطر القادم وان ندفع قدما باتجاه برلمان نظيف وقوي وفعال على أسس سليمة"


ودعا الوزير الأسبق د.عادل الشريدة إلى "التركيز على ما ينشر حول حجم الفساد في الأردن ودراسة أثره على الاستثمار كما حذر من بيوعات لأراض تتم عبر وكلاء لا يعرف إلى أين تنتهي "


الوزير الأسبق د.عبد الحافظ الشخانبة قال ان "الهدف الأساسي من عملية التخريب هو تركيع الدولة ويجب أن نحاكم حقبة بأكملها. ومجالس وزراء صاحبة ولاية مسؤولة عن فساد حقبة"


وقال ان "التخاصية لها ثلاثة شروط وهي أن تأتي برأسمال جديد وخبرات جديدة وتفتح أسواق جديدة ولم تتحقق هذه الشروط في التخاصية الأردنية"وحذر من أن الأردن يسير نحو حالة عام 1989 من حيث وضع العملة فمالكو شركات تمت خصخصتها يحولون الأرباح بالعملة الصعبة الى الخارج".

أخون أو لا أخون ... هذا هو السؤال

بقلم د. عبدالرزاق بني هاني


قبل أن أبدأ بطرح افكاري وخواطري وشرحها في ما يتيسّر من السطور القادمة، أرجو أن أنبه إلى وجود ما يُسمى « المدرسة الكلبية في الفلسفة «، وهي الترجمة العربية بتصرف لما يُطلق عليه بالإنجليزية (cynicism). ويؤمن أصحاب هذه المدرسة بأن « الإرادة الخيرة « للانسان ليست موجودة أصلاً، وإن سلوك الإنسان وتصرفاته محكومة بمصلحته الشخصية.

إن مقالتي التالية ليست موجهة إلى أولئك الذين ينتمون إلى هذه المدرسة، التي أكرهها وأكره اصحابها، وهم على ما يبدو كثرٌ ومتغلغلون في مفاصل حياتنا العامة والخاصة، ومتغلغلون على وجه الخصوص في المؤسسات العامة للدولة.

إن أصحاب هذه المدرسة لاينتمون إلى عرقٍ أو دينٍ مُحددين، فقد لاحظت أن منهم مسلمين ومسيحيين، ومنهم شيوعيين وبعثيين، ومنهم العرب وغير العرب.

أقول ذلك لأنني أعتصر ألماً وغيظاً على من ينتمي إلى هذه المدرسة البغيضة. وأصحاب هذه المدرسة هم نتاجٌ طبيعي لمرحلة تُعبّر عن حالة بائسة من الفقر والفاقة والحراكات السياسية والاجتماعية التي تخلخلُ اركان الدولة التي نعيش فيها.

من أجل توضيح الأفكار المبينة أعلاه دعني أضرب مثلاً واقعياً وحياً بامتياز:

هناك موظف عام يتقاضى أعلى راتب شهري منصوص عليه في أنظمة الحكومة، ومخصص له سيارة وسائق، ويقوم على خدمة عمله عددٌ كبيرٌ من الموظفين الذين يحملون شهادات الدكتوراة والماجستير والبكالوريوس، ومطّلع على أدق اسرار المجتمع ورجالات الدولة الكبار، وهو محميٌ من الفصل التعسفي من وظيفته، ويحمل صفة الضابطة العدلية. وقد عرف بحكم وظيفته كل الأشخاص الذين عاثوا في البلاد فساداً، ابتداءً ممن سرق أدوية الناس في عهدٍ سابق، مروراً بالذي سرق قوت الناس، وانتهاءً بمن جمع أموال السحت والحرام من اموال عامة الناس وأودعها في حساباتٍ بالمصارف الأجنبية.

لكن هذ الموظف يقدم استقالته من تلك الوظيفة المغرية والمجزية مادياً ومعنوياً دون إبداء الأسباب التي دعته إلى ترك وظيفته. فما هي يا ترى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء استقالته ؟ وعندما طرحت عليه السؤال قال لي بالحرف الواحد « إن روحي تحدثني وتقول كيف لك أن تحيا حياة ليس فيها ما يجعل منها ذات قيمة ؟ « وقد قصد بذلك أن العمل الذي كان يمارسة، حتى وإن حاول عامة الناس وبعض خاصتهم أن يخلعوا عليه ثوب المهابة، لكنه جرّدَ حياته المهنية مما يجعل لها قيمة. وقد ذكر مراراً بحضرة رؤساء وزارات أن الراتب الذي يتقاضاه كان حراماً، فكان رد فعلهم أقل حرارة من الصقيع في فصل الشتاء القارص!!!

إننا حقاً نواجه كارثة سياسية واجتماعية مركبة، سببها أن المسؤولين عندنا لايتعلمون من تجارب واخطاء الماضي، ومنحنى التعلم عندهم ليس موجوداً أو أنه لاقيمة له البتة. أو أنهم لايعرفونه أصلاً.

لست متأكداً لماذا تخطر على بالي أفكار الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط، وهي ذات الأفكار التي أوردها في رائعته « سأخون وطني «. فالأوطان، ومهما كانت منكوبة باشخاصها، أو مؤسساتها المبتورة، لاتستحق الخيانة. إنها تستحق التضحية بكل ما يملك الإنسان، إلا إذا اعتبر هذا الإنسان أن وجوده طارئاً عليها، أو أن هذه الأوطان هي غنيمة لابد من أن يأخذ حصته منها قبل أن ينهبها غيره.

إن الأوطان تختلف عن الأشخاص العابرين الذين يأتون ويمضون، أنى كانت المواقع التي يشغلونها، والوظائف التي يؤدونها. ولو توقف وجود الوطن على شخصٍ بعينه، لما كانت هناك أوطان، ولما استمرت الحياة على ما هي عليه. ويحضرني في سياق هذا الحديث مثلٌ صيني يقول «... في هذه المقبرة كثيرٌ من الناس الذين كانو يحسبون أن الدنيا ستزول من بعدهم... «. ولذلك فإن الحياة مستمرة بمن فيها من صالحين وطالحين، وطنيين غيورين أو مرتزقة عابرين. ورغم أن ذاكرة عامة الناس تشبه المرآة التي لا تعرف إلا من يقف أمامها، إلا أن الحال أعمق من ذلك. فالناسُ تأتي وتذهب، لكن الأوطان تبقى والتاريخ يدوّن!

قبل ما يزيد على عشرة أعوام حدث خلافٌ بيني وبين أحد المسؤولين في المطبخ الاقتصادي (الفريق الاقتصادي) آنذاك. وقد وقع هذا الخلاف حول السياسات الاقتصادية الوطنية، وكيفية تحقيق نسبة النمو الاقتصادي التي استهدفناها للحقبة التي تلت وضع وإقرار تلك السياسات. ففي تلك الفترة الصعبة زاد معدل البطالة الحقيقي (وغير المعلن) على (25%) من مجموع القوى العاملة الباحثة عن عمل. وزادت قيمة المديونية عن (102%) من الناتج المحلي الإجمالي، وزادت نسبة عجز الموازنة عن (25%). وبالمجمل كانت التحديات عظيمة مقارنة مع الخيارات المتاحة، وهي خيارات انحصرت في مسارين اثنين فقط، هما: إما أن نتجرع مرارة الحالة الاقتصادية المزرية، الموروثة من اوضاع تراكمية سابقة، وبالتالي محاولة النهوض الذاتي بما أتيح لنا من موارد اقتصادية، أو أن نركن إلى المُسكنات المؤقتة من خلال الاستدانة من مؤسسات التمويل الدولية، كالبنك والصندوق الدوليين، إضافة إلى الترتيبات التمويلية الثنائية والمساعدات المالية المباشرة.

كانت المعركة ضارية بين رواد كل مدرسة (مسار). ومع الأسف الشديد، ورغم كل الجهد الذي بذله رواد مدرسة الاعتماد على الذات، فقد انتصرت المدرسة التي تبنت الفكرة التي مفادها «... أن الأردن عاجزٌ عن النهوض الذاتي... والأردن ضعيفٌ وليس لديه القدرة على الاستمرار إلا بالركون إلى المساعدات والقروض الخارجية، وخصخصة ممتلكات الدولة...». وبالتالي انتصر رواد الاقتصاد الريعي، وهُزمَ رواد الاقتصاد الإنتاجي.

وبالفعل تم إقرار ذلك المسار المشؤوم، وبدأت ملامحُ مرحلة جديدة تتبلور، كان عنوانها «... لابد من أن تنسحب الحكومة من كافة الأنشطة الانتاجية التي يمكن للقطاع الخاص أن يتولى أمرها...».

لقد كان الشعارُ برّاقاً وفاتناً للعقول على نحوٍ مثير، لكن الشعار شيء والممارسات كانت شيئاً آخر. ووقتها شعرت بالمرارة والخذلان العظيمين، وقررت التحدث مع من « قد يعنيهم الأمر « لعل واحداً منهم يدرك خطورة الأمر. وكان منهم، على سبيل المثال لا الحصر، رئيس الوزراء ونوابه وبعض الوزراء ونواب وأعيان وصناع رأي عام. ومع كل الجهد الذي قمت به والتنبيهات التي أطلقتها إلا أنني خسرت المعركة مقابل الحملة الشرسة التي قادها منظرو « مدرسة القروض الخارجية «. وكانت المحصلة النهائية لكل ذلك هي أن الأردن الآن يدفع ثمن تلك الخطايا التي ارتكبها نفرٌ من الفاسدين !!!

استمر، في الفترة اللاحقة لتلك الحقبة، حكم اصحاب « مدرسة القروض الخارجية وفكفكة هيكل الدولة « واستشرى شرها. وكنت يومئذ أعمل أميناً عاماً لوزارة التخطيط، ولم أدخر جهداً حينها حول التنبيه إلى خطورة ما يجري، وأبديت رأيي حول « البرامج التنموية العملاقة-الوهمية « التي تبناها رواد تلك المدرسة. وكان آخر هذه البرامج ذلك الذي كلف الحكومة أموالاً تنوء عن تحملها الموازنة العامة، الضعيفة والعاجزة أصلاً. ولم أفلح بإقناع المسؤولين آنذاك أن ما يجري يهدف إلى تبديد موارد الدولة من أجل اضعافها وتدميرها، أو على الأقل جعلها رهينة بيد المؤسسات الدولية، وإننا سندفع، آجلاً أو عاجلاً، ثمن ذلك التهور غير المسؤول. وكما في الحالات السابقة، فقد اتصلت بمعظم المسؤولين، ومع الأسف الشديد لم يكن هناك من يدرك أو يفهم ما كنت أشير إليه، وقلت بالحرف الواحد «... بأن هناك من يتربص بالدولة من أجل تفكيكها....»، وكانت تنتابني هواجس ومخاوف مما قد يحيق بوطني. فقد رشحت معلومات أولية عن كتاب لعميل متقاعد كان يعمل لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، ومن تلك المعلومات أن مؤسسات التمويل الدولية تأتمر بما يقال لها أن تفعل في مجال القروض والتسهيلات الائتمانية الممنوحة للدول النامية. وتأكيداً لذلك صدر بعد مدة قصيرة كتاب (The Confession of an Economic Hit Man)، الذي أنصح القراء أن يقرأوا ما ورد به من أفكار مخيفة تخاطب ذات السياقات التي أوردتها في الحديث أعلاه. ومن خلال مسؤوليتي المباشرة في مجالس الإدارات المتعددة كنت أنبه باستمرار إلى خطورة الطريقة التي تُدار من خلالها الشؤون الاقتصادية. ولو رجعنا إلى بعض المذكرات المحفوظة في أرشيف رئاسة الوزراء لوجدنا أنني نبّهت إلى حجم المصيبة التي قد تحدث في المستقبل (ابتداءً من العام 2003). وقد حدث بالفعل ما كنت حذرت منه، وما كان متوقعاً لأنه لم يكن هناك من يقرأ، وإذا قرأ فإنه لم يكن ليأخذ الكلام على محمل الجد، ولو أخذه على محمل الجد لما كان له أن ينفذ بسبب قوى الشد العكسي التي انحصر همها وهدفها الأول والأخير في تبديد موارد الدولة، ومن ثم تفكيكها وتدميرها، أو على الأقل لإبقائها ضعيفة وغير قادرة على حفظ كيانها السياسي والاجتماعي، إلا بحبلٍ من الخارج ومساعداته المالية بأشكالها المختلفة.

وفي كل مرة كنت أجابه مقاومة شديدة، إما من وزراء ومتنفذين جاهلين أو ممن ينتمون إلى المدرسة الكلبية، أو من وزراء ومتنفذين كانت لهم مصلحة في ترك الأوضاع كي تنزلق إلى الهاوية. وما يدهشني حقاً أن التحفظات التي أبديتها في محاضر اجتماعات اللجان أو من خلال المذكرات المتعددة كانت واضحة إلى الحد الذي يحذر من كارثة محققة. وكنت أظن أنني أعيش في دولة يحرص أبناؤها عليها من الضياع أو الدمار، وتخيلت نفسي في لحظة ما كما لو كنت أعيش في الولايات المتحدة الأمريكية أو المملكة المتحدة وهمست بأذن عضوٍ من الكونغرس أو مجلس النواب عن المعلومات التي أعرفها لقامت الدنيا وما قعدت. فتلك الدول خُلقت لتعيش، أما نحن فكأنما خُلقنا كي نموت أو أن نبقي سقيمي الجسد والفكر.

كنت أطرح على نفسي اسئلة محيرة حول المعتقد الفلسفي للمسؤولين في وطني، وعن معنى الوطن والوطنية، والبعد الأخلاقي المتعلق بالسلطة السياسية عندهم. وعلى ما يبدو لي شخصياً، وأرجو أن أكون مخطئاً، أن السلطة السياسية وممارستها عند هؤلاء انعكست من معناها الأصيل الذي كتب عنه فلاسفة الحكم والسياسة، والذي يندرج في ممارسة السلطة بتطبيق القانون انطلاقاً من مبادئ أخلاقية رفيعة، إلى ممارسة السعادة والملذة (Hedonism)، وذلك باعتبار السلطة ضرباً من ضروب ممارسة الشهوة التي تفضي إلى السعادة الفردية من خلال التحكم بالفرد الإنسان وتبديد الموارد النادرة على ملذات الحياة!

قبل أن تبدأ عمليات التفكيك والبيع لممتلكات الدولة كان نصيب كل أردني من عبء المديونية يزيد أو ينقص عن ألف دولار أمريكي. أما بعد انتهاء عمليات البيع التي حدثت في اطار بيئة مشوبة بالفساد، وتظاهرنا بأن جزءاً من ريع الخصخصة قد ذهب لإطفاء جزءٍ من المديونية، ارتفع نصيب الفرد من تلك الديون إلى ما يقرب من أربعة آلاف دولار أمريكي.

أذكر في هذا الإطار أن الراتب الشهري الذي كان يتقاضاه فارس من فرسان « مدرسة القروض الخارجية « لم يتجاوز ألف دينار، ولم يتمكن من اقتناء سيارة إلا بشق النفس، وكانت سيارة مستعملة من طراز عادي، وكان يسكن في شقة عادية مستأجرة في حي سكني عادي. وبعد انتهاء عمليات البيع واسستتباب الأمور لاصحاب المدرسة الكلبية زادت قيمة الأصول المالية العائدة لهذا الشخص إلى عدة ملايين من الدنانير، والتي ربما هطلت عليه من السماء!!!

إن الكارثة التي واجهها ويواجهها الأردن في الفترة الراهنة لاتنحصر بضيق ذات اليد وانحسار موارده المالية، أو في فكفكة الدولة واضعافها وبيع ممتلكاتها وزيادة مديونيتها، بل تعدت أكثر من ذلك، فامتدت إلى البعد الاجتماعي من خلال نمو فئة من الفاسدين الذين أمسكوا بقرارات اقتصادية أدت بالتالي إلى تقسيم الناس إلى فئتين: مستفيدة ومحرومة، رابحة وخاسرة. وما الصراع الاجتماعي الذي نشهده الآن إلا نتاج طبيعي لتلك السلوكيات الشائنة والتصرفات الفاسدة التي قدّمنا وأسسنا لها في الماضي من السنوات. ولو يصارح كل واحدٍ منا نفسه وينعم النظر في الصورة القاتمة التي تظهر أمامه لامتلأ خوفاً ورعباً مما قد تحمله السنوات المقبلة من صراعات بين من يملك ومن لا يملك، وبين الناهب (الفاعل) ومن المنهوب (المفعول به)، فما يكمن خلفنا أو أمامنا هو بالتأكيد أقل أهمية مما يكمن في جوانية كل واحدٍ منا !!!

في آذار من العام الماضي (2011) قام جلالة الملك بزيارة إلى هيئة مكافحة الفساد، دار خلالها حديث ودي بينه وبين اعضاء المجلس حول عمل الهيئة وحاجاتها من الموظفين والدعم المادي. وقد تشعب الحديث حول القضايا التي تتولاها الهيئة إلى حد دفع جلالة الملك أن يردد مقولته المشهورة «... بأنه ليس هناك أحدٌ فوق القانون... وليست هناك أوامر من فوق... وإذا كان أبني، لاسمح الله، متورطاً بقضية فساد فليأخذ القضاء مجراه... «. فكانت تلك الكلمات نبراساً يهتدي به كل من كان جاداً بمكافحة الفساد.

إن جلالة الملك، ومن خلال موقعه كرئيس لسلطات الحكومة، لايملك الوقت الكافي لمتابعة ما يجري في مؤسسات الحكومة. ولا يعقل أن يتدخل أو أن يتابع ما يجري فيها إلا في أضيق نطاق، وفي ظروف استثنائية. فمسؤولية اتخاذ القرارات ومتابعتها هما من شأن أولئك الذي أقسموا يميناً غموساً «... بالله العظيم أن يحافظوا على الدستور وأن يخلصوا للملك وأن يحترموا القوانين والأنظمة وأن يقوموا بالمهام الموكلة إليهم بصدق وأمانة...». فماذا ينتظر هؤلاء المسؤولون بعد قول الملك واليمين الذي أقسموه؟

إن قسمَ المحافظة على الدستور والاخلاص للملك واحترام القوانين والأنظمة والقيام بالمهام الموكلة للشخص بصدق وأمانة يتطلب في حده الأدنى أن لا يُستثنى أحدٌ، مهما كان، من المساءلة القانونية عن أفعاله، وتبعات أفعاله على الدولة والمجتمع.

أقول ذلك لأنني أعرف يقيناً أن هناك العشرات ممن ارتكبوا جرائم بحق الدولة والمجتمع، ونهبوا أموالاً وأثروا بطرق غير مشروعة، لكنهم ما زالوا طليقين أحرارا تحت حجج متعددة، منها أنهم وزراء سابقون، أو أن هناك مؤسسات دولية شهدت لبعضهم بأن ما قاموا به كان ناجحاً، رغم فشله. فليس من المعقول أن نركن إلى شهادات مجروحة أصلاً.»... فمن يشهد للعروس إلا أمها وخالتها وعشرة من بنات حارتها ؟... «. ولا أفهم من التلكؤ في ملاحقة الفاسدين الذين يوهمون الناس أنهم فوق القانون إلا عجز المسؤولين في مؤسسات الرقابة ومكافحة الجريمة والفساد عن أداء واجباتهم المناطة بهم وحنثهم باليمين الذي أقسموه أما جلالة الملك. « وإذا فسدَ الملحُ فبماذا يُمل

وبناء على كل ما تقدم، وانطلاقاً من حبي لوطني أولاً وأخيراً، وكرهي المعلن لاصحاب المدرسة الكلبية الذين أهلكوا الحرث والنسل، أو تقاعسوا وغضوا الطرف عما يفعله المفسدون، وعدم جديتهم بمحاربة الفساد والمفسدين، فإنني أتوجه إلى جلالة الملك حفظه الله بقلب مخلص لأدعوه إلى إعلان ثورة بيضاء (أو حمراء) هدفها الحفاظ على الوطن من الهلاك المحتوم، وذلك من خلال استئصال جذور الفساد الممثلة بمن ورطوا الوطن بالديون والمشاريع الوهمية ونهبهم المال العام وإشاعة الفتنة بين أبناء الوطن.

رأي اقتصادي

بنية الفساد

بسم الله الرحمن الرحيم
الجمعية الأردنية للثقافة والعلوم
05/03/٢٠١٢
عبدالرزاق بني هاني

الحمدُ للهِ رب العالمين ... والصلاة والسلام على سيدي وحبيبي وقرة عيني محمدٍ بن عبدالله ... النبي الأمي، وآله وأصحابه الطيبين الأخيار...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

في الحقيقة ... ومن باب الإنصافِ لي ولكم ... فقد أتيت ... في محاضراتٍ سابقة ... في أماكن أخرى ... على بعض الافكار التي سأذكرها هنا بين أيادكم الكريمة ... لن أتحدث عن قضايا فساد محددة ... إلا إذا تطرق النقاش فيما بعد إلى قضايا بعينها ... والسبب في ذلك هو مايلي: ... لو تخيلَ كلُ واحدٍ منا ... لعبة الليغو التي يتعلم منها الأطفال ... فإن قضايا الفساد التي يتناولـُها الناس ... في جلساتهم العامة والخاصة ... وتتحدث عنها الصحافة ... هي ما يمكن أن نسميه ... التشطيبات والديكورات النهائية ... التي نحتاجها في اللعبة ... أو لنقل إنها القطعُ الأقلُ حاجة كي نبني اللعبة ... ولا أقول ذلك من باب التنظير أو التسطيح ... أو تتفيه ما حصل ... لكن لأن الحديث عنها قد تجاوزه الزمن ... وأصبح مملاً إلى حدٍ بعيد ... ولم يُعد منتجاً من الناحية الفكرية ... فصورة الفساد التي بانت أمامي ... وأنا على يقينٍ ... أنها بانت أمام آخرين ... كثر من قبلي ... هي أعمُ وأشملُ ... وأعظمُ من قيام فلان ... باختلاسٍ من هنا وهناك ... فهو ... أي الفساد ... قد ظهر بإنه هو لعبة الليغو كلها ... لكنني لم أسمع أن مجموعة طيبة من أمثالكم ... وبهذه المستويات الفكرية المتسامية ... قد تحدثت عنه ... أو خاطبته بشكله الشمولي ... وهو ما آمل أن يحدث في هذا اللقاء الخير ...

لا أعرفُ من أين أبدأ ... 

فالواصفُ يعجزُ عن وصفِ الموصوفِ بكلماتٍ قليلة ... لأن الموصوفَ ضخمٌ ... وجامح ... وقد اجتاح كل جانبٍ من حياة المجتمع ... ولكون الموصوف... وهو الفساد ... قد بدأ بشخصٍ أو أشخاصٍ قليلين ... أو بسبب تشريعٍ ... أو نقصٍ في التشريع ... إلا أنه أصبحَ مع الأيامِ ... ونتيجة لتقاعسِنا المعنوي ... وخوفِنا من اداء واجباتنا الأخلاقية ... والإرهاب الذي مارسته فئة الفاسدين على الناس والمجتمع ... أصبح هذا الفساد ... إفساداً ... وأصبح مؤسسة ... مادية ومعنوية ... راسخة ... عالية ... قوية ... عامة طامة ... تسعى بيننا ... ونحنُ نحسبُها صلاحاً وإصلاحاً ... نعيشُ خلالها ... وفي جوفها ... ونحن نحسبُ أننا خارجها... لم تفعل بنا شيئاً ... لكنها تحكمُ سلوكنا وتصرفاتنا ... من حيث نعلم ولا نعلم ... 

قبل ما يزيد على مئة عام ... قال فيلسوف جنون العظمة والعنف ... فريدريك نيشه ... إن على من يقاتل الوحوش ... أن لا يصبح وحشاً مثلها ... والمقصود هنا ... أن الخطر يكمن في معاشرة الوحوش ... لأن معاشرتهم قد تقلب النفس إلى ذات متوحشة ...

وإذا كنا نظن أننا أمسكنا بها ... أو سنمسك بها بسهولةٍ ويسر ... فإننا نكون واهمين ... أو كمن يذر الرمادَ في عين ذاته ... أو يدفن رأسه في الرمال كي لا يرى الحقيقة المُرة .. أو يخدع نفسه ... لأن ما صنعه الفاسدون ... خلال العقود الماضية ... أصبح شائكاً ... معقداً ... وأخذ شكلاً مادياً ... له أساسات وأعمدة وجدران ... وأصبح من الصعبِ أن نتعرف عليه ... أو نشخصه بسهولة ... وأصعبْ من أن ننهيه ... أو نمحوه خلال أيامٍ ... أو أسابيعٍ ... أو أشهرٍ ... أو أعوامٍ قليلة ... 

ويقيني أننا سنحتاج ... إذا بدأنا اليوم .. إلى عقدين أو أكثر كي نعيد الحال الفاسدة ... إلى حالٍ أقلُ فساداً ... أو لنقل أكثر صلاحاً ... مما كان عليه في الماضي ... أو كما تتمناه النفس الإنسانية السوية ... ومبرري في ذلك ... هو أن الإعمارَ أصعبُ كثيراً من التخريب والفساد ... والأمثلة على ذلك زاخرة ... وكثيرة ... وهاكم مثلاً بسيطاً نعيشهُ الآن ... إن التخريب الاقتصادي الذي حدث خلال السنوات العشر الماضية على يد المخربين الجُدد ... يحتاج إلى ثلاثين عاماً من العمل المُضني حتى نمحو أثره ... إلا إذا ... وهنا أشدد ... إلا إذا ... حدثت معجزة إلهية ... كأن تتعهدَ دولٌ بدعمنا... أو أن تتغير قواعد الاقتصاد الحديث ... فالمديونية وعجز الموازنة كفيلان أن يُحبطا أية محاولة للنهوض الاقتصادي في الأمد المنظور ... وستبقى مشاكلُ الفقر والبطالة وتدني الانتاجية ... من التحديات العظمى التي يواجهها مجتمعنا ... واقتصادنا الوطني ...

نظرتُ في كثيرٍ من قضايا الفساد ... وأزعمُ ... إنني حلّلتُ ... وقارنتُ ... وقاربتُ ... في محاولةٍ موضوعيةٍ ... جادة ... لمعرفة أسباب حدوث الفساد ... ودوافعه ... ومحركاته ... فاصطدمت بواقعٍ مريرٍ ... مُحزن ... حينما وجدت أن القضايا التي نظرتُ فيها ... لم تكن إلا مجردُ اعراضِ الفساد الذي تغلل بيننا ... وليس الفسادُ بعينه ... ويقيني أن الفسادَ بمعناه الحقيقي ... الشمولي ... هو صفةٌ ملازمةٌ ... وملازبة ... يسير جنباً إلى جنب مع الدولة الضعيفة ... الدولة التي يكون فيها الناسُ ... مجرد رعايا ضعفاء ... لا مواطنين لهم حقوق يتمسكون بها ... وعليهم واجبات يؤدونها وهم راضون ... والسلطةُ في هذه الدولة مطلقة ... أو ما شابه ... والضعفُ فيها ليس ضعفاً مادياً ... بل وهنٌ في هيكل الدولة ... وخورٌ في مؤسساتها المتهاوية ... وأشخاصها وأفكارها ... وأفكار الناس ... وأخلاقهم ... وربما يصلُ الأمرُ ... إلى فسادٍ في أفكار بعض المخططين فيها ... أو حالة عجزٍ ... وشللٍ فكري ... أسماها فلاسفة الفكر ... اللإرادتة ... وهي الحالة التي يخفق فيها الإنسان بالقدرة على التفكير ... وابتكار القرار ... واتخاذه إلا في الاتجاه السالب ... حالة اللافعل ... أو السكوت والتقوقع على الذات ...

إن الأردنَ يملكُ من الموارد ... أكثر مما تملكه اليابان ... من الناحية النسبية ... وأكثر مما تملكه كوريا الجنوبية ...كذلك ... لكن المواردَ شيءٌ ... والإرادةُ السياسية ... شيء آخر ... 

إخواني وأخواتي ... 

أنا لا أحلم ... ولست من الحالمين ... لكنني وأياكم ... وكلُ ذي لب ... لابد أن نتسامى على الواقع المرير ... الذي لايخدم إلا فئتين اثنتين ... تتكون الأولى من الأثرياء الطيبين الذي كدّوا وكدحوا حتى كوّنوا ثرواتهم ... فهم منا ونحن منهم ... أما الثانية فهي فئة المخربين الجدد ... قوامها مجموعة قليلة من الفاسدين الذي أثروا على حسابي وحسابك ... وهي مجموعة من المارقين ... الأفاقين ... الذين لا أصل لهم ... ولا جذور ... لعبوا في الاقتصاد والسياسة ... والمجتمع والدولة ... كما يلعب لاعبو السيرك ... قال عنهم بعض المفكرين أنهم فئة الـ (hocus bocus) ... الضحك على الذقون ... ومنهم الذي يُخرج أوراق اللعب من كُمِ قميصه ... ويخرج حمامة من تحت قبعته ... مشروع هنا ... ومشروع هناك ... تخاصية ...قوانين غير دستورية ... وقد جند بهلوانهم الكبير ... الذي علمهم السحر ... عدداً من ابناء البلد ... كي يتستروا على ألاعيبهم ... وجرائمهم ... ويضفوا عليها نوعاً من الشرعية الاجتماعية ... تسللوا تحت جنح الظلام ...على حين غرة وغفلة ... إلى مفاصل الدولة ... وشرّعوا القوانين التي لاتخدم إلا فئتهم ... ومن ثم قاموا بفكفكة ممتلكات الدولة ... وباعوها من اجل حفنة من المال ... فانطبق المثل القائل ... بإن فلاناً مستعدٌ لحرق البلاد والعباد من اجل أن يُـشعل سيجارته ... لكن ... وللأمانة ... أن هدف التخريب لم يكمن بالمال فحسب ... بل في ما هو أخطر منه ... وهو تركيع الدولة والمجتمع حتى يصل إلى الحالةِ التي تحيط بنا الآن ... مديونية بمستويات تجاوزت الخطر ... إلى ما هو أخطر ... عجز في الموازنة ... فقر ... بطالة ... سخط اجتماعي ... رفع الأيادي والرايات البيض ... ثم الاستسلام لقدرٍ مشؤوم ... واحتراب جهوي ... وتدمير الثقة بالدولة ومؤسساتها ... ومن ثم تحقيق المخطط الخفي ... والأجندة الملعونة التي تنتظرنا ... إذا نحن سلمنا للأمر الواقع وتبعاته ... 

في العام 1962 ... كان متوسط دخل الأردني ... مساوياً لمتوسط دخل الكوري الجنوبي ... 200 دولار في السنة ... جاء الجنرال بارك إلى السلطة ... وكان من عادته أن يجمعَ الوزراء والمدراء العامين ... والمسؤولين عن الصناعة والتجارة ... والجمارك ... مرة كل شهر ... 

في أول جلسةٍ طُرحت أفكارٌ بعينها ... وكان من جملتها أن كوريا الجنوبية لابد أن تكون دولة صناعية مُصدرة ... من الإبرة ... وحتى الصاروخ ... وكان من عادة بارك أن يسأل هؤلاء المسؤولين عن معيقات العمل ... عن الأسباب التي تقفُ عثرة في سبيل ذلك الهدف العظيم ... فيقال له كذا وكذا ... فيطلبُ من المسؤول المعني أن يعمل، وعلى الفور ... على إزالة المعيقات التي ذكرت له ... وفي الشهر التالي ... يسأل فيما إذا بقيت المعيقات أمام الهدف ... فيقال له كذا وكذا ... فإذا بقيت تلك المعيقات .. وكان واحدٌ من المسؤولين الحاضرين هو من يتسبب بالمعيقات التي يذكرها مسؤول من هنا أو هناك ... كان بارك يُطلق على ذلك الشخص (المعيق) النار ... ويرديه قتيلاً ... كان بارك دكتاتوراً ... وعنيفاً إلى حدٍ غير معقول ... لكن مبررات عنفه كَمُنَت ... في أنه تعهد أن لايرى كورياً جنوبياً بائساً ... لم يُحب أن يرى واحداً من شعبهِ جائعاً أو محتاجاَ ... أو يقفَ بجانب حاوية للقمامة ... يُخرج منها ما قد يقتات عليه ... مما فاض عن حاجة الأغنياء المترفين ... فالدكتاتورية هنا كانت وسيلة ... لكبح جماح الفساد ... والقضاء عليه ... ثم خلق جيلٍ من المواطنين الذين يؤمنون بوطنهم ... وقدرته ... لا أن يكونوا مرتزقة ... يحبون الوطن عندما يمتلىء ضرعه حليباً ... كي يسرقوا ذلك الحليب ... ثم يغتالونه عندما تجف ينابيعه ...

قرأ الكوريون الجنوبيون خارطة العالم التجارية ... والسياسية ... كانت أمةٌ قد خرجت لتوها من حربٍ طاحنة ... إنتصر فيها الشيوعيون الحمر ... كانت على وشك الهلاك ... لكنها حلت حبوتها ونهضت ...

في كوريا الجنوبية نهر ... اسمه نهر الهان ... وهو نهر ملوث ... كان شعبها أمي ... لم تعرف الرياضيات والفيزياء إلا القلة ... وفي خلال ثلاثةٍ وعشرين عاماً ... نهضت تلك الأمة ... وأصبحت مارداً ... أصبحت كوريا الجنوبية من اعظم دول العالم بصناعاتها المميزة ... سبقت الصين وأمريكا في بعض المضامير ... بدأت بتصدير الظفائر الطبيعية من رؤوس نسائها ... إلى مترفات العالم الجديد في مدينة نيويورك ... وقد قال لي أحد الموظفين في المعهد الكوري للتنمية ... أن الظفيرة الأولى قد تم استرجاعها بعد ما يزيد على أربعين عاماً على بيعها ... كي توضعَ في المتحف الكوري الوطني ... كرمزٍ للتضحية والإرادة الحرة ... وبعد سنواتٍ قليلة شملت صناعاتها ... كل ما يمكن أن تصنعه الآلة الصناعية ... من رقائق الحاسوب ... إلى السفن الكبرى ... وناقلات النفط العملاقة ... وكان شعار شركة هونداي (Hyundai from chip to ship) ... من رقاقة الحاسوب إلى السفينة ... نافس طلبتها على المرتبة الأولى في الرياضيات والفيزياء ... واحتلوا المرتبة الرابعة في هذين الحقلين من العلوم البحتة ، على المستوى العالمي ... يُنتج علماؤها وجامعاتها كماً كبيراً من الابحاث والكتب العلمية ... ويصدرون أفكاراً كثيرة في مجالات التنمية الصناعية ... والتجارة والإدارة ... ولو نظرنا إلى سنغافورة لوجدنا مثالاً حياً آخر ... لكنه أكثر عجباً ... كان التايلنديون قبل عشرين عاماً يقتتاتون على الثعابين ... ولكم في ذلك المثل العظيم ... المفارق ... هم الآن دولة صناعية منافسة ...

أعودُ وأقول ... إن الإرادة السياسية الخيرة ... هي السحرُ في كل ذلك ... فقد غلبت إرادتُهم إرادتنا ... وتفوق شعبُهم على شعبنا ... وخبت عندهم فئة الفاسدين ... بفعل قوى الطرد المركزي التي لامكان فيها لفاسد ... لكن فئة الفاسدين نمت عندنا ... فكم مرة سمعنا عن مسؤولٍ عندهم انتحر لأن أمرَ فسادهِ انكشف ... أما عندنا فإن منظومتنا الاجتماعية التي طورناها من ثقافةٍ فاسدة ... تقضي بحماية الفاسد ... وتصفح عنه ... والفاسد هو صفيق بطبيعته ... إلى درجة يندى لها الجبين ... وهاكم الذي تمت محاكمته شعبياً ... وما زال يتفاخر بأنه فاسد ... وما زالت الفئة الضالة التي شكلها ... تسيد وتميد في بلادنا ... وقد صدق رسولنا الكريم ... في كل ما قال ... وعندما قال ... إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ... إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت ... الله أكبر ... 

ما الذي يقودني إلى ذلك؟ ... سؤالٌ ربما يخطرُ على بالِ كل واحدٍ منا ... الجواب بكل بساطة ... هو أننا نتميز عن غيرنا ... ليس عرقياً ... بل بقدرتنا على التكيف مع كل الظروف ... نتميز بإنساننا الذي استطاع ... في الماضي القريب ... أن يتكيفَ مع كل حالات البؤس والحرمان ... واستطاع رغم كل الشقاء ... أن يرتقي على سلم العلم والمعرفة ... بأقل التكاليف ... فليس لدينا نفطٌ أو غاز ... وليس لدينا ماءٌ يكفي ... ولا أرضٍ زراعية كافية ... فقد قضى عليها المخططون الذين تميزوا بفسادٍ فكري رهيب ... لكننا وبرغم ذلك كله ... انجزنا بفعل الإرادة ... عندما كانت هذه الإرادة حرة ... لكن أريد لهذه الإرادة أن تنكسر أمام رياح الفساد والشهوة ... وشبق السطة المدمر ... وشبق السلطة المُدمر ...

لقد تم خداعنا ... وانخدعنا لفترة كافية ... حتى وصلنا إلى حدٍ ... لم نعد عنده مهتمين بمعرفة الحقيقة المُرة ... ولأنه عندما تنطلي علينا الخدعة ... يكون من الصعب أن نعترف بذلك ... وكما قال أحدهم ... عندما تُملكُ أمركَ لدجالٍ ... يعود من الصعب عليك استرداد أمرك من ذلك الدجال ... فلقد ولينا أمر التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى مجموعةٍ من الدجالين ... وها نحن في وسط اللجة ... في خضمٍ لجي ... فوقه ظلمات من المعاناة التي لن تنفرج ... إلا بحبلٍ من الله ثم ... من الناس ...

إن أسوأ ما يكمن في الخديعة التي انطلت علينا جميعاً ... ومررها جهابذة الاقتصاد والسياسة على عقول بعض الناس منا ... هو أننا في نظرهم لانستحق الصدق ... ولإننا في نظرهم شعب غير مؤهل ...

ما أراه أمامي ... وأرجو أن أكون مخطئاً ... هي عبثية كاموس ... (Albert Camus)، ... فترات رواج ... وفترات انحسار ... في فترات الرواج ينصرفُ الناسُ إلى ممارسة حيواتهم المعتادة .... عملوا ... أكلوا ... شربوا ... ناموا ... قضوا شهواتهم كيفما اتفق ... ثم عملوا ... أكلوا ... شربوا ... ناموا ... وقضوا شهواتهم كيفما اتفق... استلابٌ مادي بلغة المنظرين الشيوعين ... وفي فترات الانحسار جاعوا ... وتململوا ... وثاروا ... وهدأوا ... وهذه الأفعال هي ... أيضاً ... شكلٌ من اشكال الاستلاب المادي ... وبالتالي فنحن أمام متوالية عددية من الفعل الإنساني ... لا تنتهي إلا بالموت ... عبثية بكل ما في الكلمة من معنى ... لماذا؟ ... لأنه لم يعد هناك عقلاء ... أو مفكرين ... أو فكر ... أو تربية وإصلاح ... ورقي إلى العلياء ... نبدأ بمناكفات تافهة ... موسم مؤقت لأفكار عابرة ... الحديث عن الفساد بمعناه الضيق جداً ... فلان سرق أو اختلسَ ... ثم تبرد الرؤوس ... وتنتهي المسرحية بمجيء جيلٍ جديد من الفاسدين ... وجيلٍ آخر من البؤساء والمحرومين ... وهكذا ... وكل هذا الحال هو تجسيدٌ لأسطورة سيزيف (Sisyphus) ... هذا الإنسان الخرافي ... الذي عوقب برفع صخرةٍ من قاع الوادي إلى قمة الجبل ... وعندما يقتربُ هذا البائس المسكين إلى القمة ... تسقط الصخرة من يديه وتتدحرج إلى قاع الوادي ... فيعود إلى الوادي كي يرفع الصخرة ثانية ... يحدث معه نفس الشيء عندما يقترب من القمة ... وهكذا إلى أن تنتهي حياته ... ولذلك فإن الواقعَ الحالي ... ثقيلٌ وغريبٌ ...على أنفسنا ...

لقد قال جيمس ماديسون في حوالي العام 1815 ... إن تجمعَ السلطة ... في يدٍ واحدة ... (وهنا لا أقصد الملك، لأن الملكَ يحكمُ من خلال سلطاته الثلاث المفوضة إلى الآخرين)... أعود للقول ... إن تجمع السلطة ... في يدٍ واحدة ... سواء كانت فردية ... أو جماعية ... وراثية ... أو بالقسر الفردي ... أو بالانتخاب ... هو التعريف الحق للاستبداد ... وهذا ماتم تحديداً في بلدنا ... وبعض الدول المشابهة لنا ... من حيث الترتيبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ... وبدون أية مواربة ... وباعتراف البعض ... تم تزوير بعض ممثلي الشعب ... من قبل بعض من يمسكون السلطة ... وبالتالي تزوير إرادة الشعب ... فانفردت السلطة التنفيذية بالتشريع ... لأن المشرعين كانوا تحت سيطرتها ... ويأتمرون بأمرها ... 

ولم يكن أمام السلطة القضائية إلا التسليم بالأمر الواقع ... لقوانين أتتها كمُحصلةٍ لزواج المحارم ... بين السلطة والمال ... والتنفيذ والتشريع ... فاستبدت الحكومة بكل ما قامت به ... مشاريع وهمية ... وتخاصية .... وتقنين غير دستوري ... وقوانين غريبة ... ومؤسسات مستقلة ... لكن من قام بكل ذلك؟ ... الجواب ... هي مجموعة من المتنفذين الفاسدين ... وكما قال توماس جفيرسون ... إن التجارب قد بينت أنه ... وتحت افضل الأشكال الحكومية ... يستطيع أولئك الذين يملكون السلطة أن يحولوها ... من خلال بعض العمليات ... وبعض الوقت ... إلى استبداد ... وفي نظري أن الاستبداد هو علة ... من العلل القوية للفساد ... 

أما بالنسبة للنواب ... فلم أرى في جلهم إلا اللعب بالسياسة ... وتقديم المصلحة الشخصية على مصلحة البلاد والعباد ... ومن يقدم هذه الأشياء على مصلحةِ الوطن والمواطن ... لابد أن يفقدَ هذين الشيئين ... مصلحته ووطنه ... إذا كان هناك وطن ... 

اسمحوا لي أن ارجِعَ قليلاً إلى الوراء ... كي أذكّرَ بلعبة الليغو التي تخيلنا أنها تمثل الفساد ...

تُكوّنُ قطعُ هذه اللعبة شكلاً هندسياً ... تُساعياً ... متساوي الأضلاع ... كلُ ضلعٍ من هذه الاضلاع التسعة ... يُمثل رافداً من روافد الفساد ... وتشكلُ بمجموعها ما يمكن أن نسميه ... بُنية الفساد ... أو منظومة الفساد ... وهذه الإضلاع أو الروافد هي: الاقتصادي ... أي الرافد الاقتصادي ... والسياسي ... والإداري ... والاجتماعي ... والتشريعي ... والثقافي ... والتربوي التعليمي ... والفكري ... والديني ... تسعة اضلاعٍ متساوية الأثر ... كل ضلعٍ منها مربوط بوصلة ... والوصلة مربوطة بخزان ... يعمل الخزان على تغذيةِ كل رافدٍ بطرقٍ متعددة ... لكنها فريدة من نوعها ... وهذا الخزان هو الثقافة المجتمعية ... التي تطفحُ بالفساد ... تغذية راجعة متواترة ... عمرها يزيد عن عدة عقود من الفساد الثقافي ... المقصود ... والمنظم ...

دعوني أقتبس من الباحثين (Gabriela Montinola and Robert Jackman)... من جامعة كاليفورنيا ... وما توصلا إليه حول البحث عن مصادر الفساد... يقول الباحثان ... إنهما أرادا أن يُجيبا على السؤال التالي ... لماذا يطغى الفساد الحكومي (government corruption) ، في مجتمعات معينة ... ويَقلُ في أخرى ؟ ... للإجابة على هذا السؤال فحص الباحثان ما يُسمى الخيارات الاجتماعية (public choice) ... أي المسارات التي يمكن أن يسلكها الإنسان ... ماذا يريد ... كيف نحقق ما يريد ... واكتشفا أن هذه الخيارات ... هي التي تساعد على الفساد من خلال الأطروحة ... التي مفادها ... أن انعدام المنافسة الحقيقية ... في مجالي السياسة والاقتصاد ... تؤدي بالضرورة إلى حدوث الفساد ... كيف ذلك ؟ ... (الاحتكار) ... عندما يتم اختيار الطبقة السياسية من جعبة واحدة (nomenclature) رتيبة ... مُحتَكِرة ... فإن بقية أفراد المجتمع تتهمش إلى حدِ ... عدم الاكتراث ... يشعرُ عنده أصحاب الفئة المحضية ... أن لهم الحق الإلهي بالتصرف كيفما يشاؤوا ... لا أحد يسأل ... لا أحد يبحث ... أو يكترث ... إلا بعد فوات الأوان ... وهذا ما أثبتته مجلة الـ (The Economist) ... وما حدث في الأردن إلى حدٍ بعيد ... أما بالنسبةِ للمنافسة الاقتصادية ... فحدث ولا حرج ... لأن الكعكة لم ينلها إلا القلة القليلة من أفراد المجتمع ... ومن هذه القلة حدث فسادٌ ... وفساد ... وهناك منهم ... من أفسد حتى يعظم حصته التي حصل عليها بفعل الفساد ...

إن اللافت في الأمر ... أن الباحثين قد وجدا ... أن الفسادَ في حالة الدكتاتورية يقل عما هو في حالة الديموقراطية الجزئية ... والفسادُ أكثر انتشاراً في المجتمعات الفقيرة التي تكون فيها مداخيل موظفي القطاع العام منخفضة ...

اسمحوا لي أن أبين تالياً كيف تداخلت روافد الفساد عندنا ... تداخلت وخلقت صورة مشوهة إلى حدٍ بعيد ... وقد قصدتُ أن أضعها بالشكل التالي حتى تغدو الصورة قابلة للتسويغ المنطقي ... وقصدتُ أن أخلط السياسي مع الاقتصادي ... مع الفكري والاجتماعي ... مع الأخلاقي ... مع ... مع ... وهي الصورة المربكة الحقيقية في بلدنا ... 

دستورٌ ... ما زالت نصوصهُ قاصرة عن تحقيق العدالة التي نصبوا إليها ... ويفتقر إلى آليات التحقق والموازنة (checks and balances) ... كي يكون مرجعاً ... لايمكن تجاوزه بسهولة، من أي شخص مهما كان ... وقوانين تحتاج إلى تعديلات ... وعملٍ دؤوب ... كي تصبحَ صالحة ... يعمل بموجبها عامة الناس وخاصتهم ... تنسحب عليهم بطريقة أفقية ... لافرق بين هذا وذاك ... وبموجبها تتم محاسبة كل فاسد ... أفسد في الماضي ... وما زال يفسد في الحاضر ... وقد يُفسِد في المستقبل ... اقتصادٌ متهالك نبقيه حياً بالمُسكنات اليومية ... بحبلٍ من اللهِ ... ومن الناس ... بقروضٍ يُرادُ منها أن تركعَنا جميعاً مقابل استحقاقات سياسية مُحددة ... رجالُ دولةٍ فاسدون ... عملوا بالليل والنهار حتى أوصلونا إلى ما نحن فيه ... مجتمعٌ مُفتت ... عَمِلَ المفسدون على تدمير أساساته ... ونقض نسيجه ... من اجل ماذا ... من اجل أن يبقوه ضعيفاً أمام مغريات الحياة المتهافتة ... من اجل سقط المتاع ... من اجل المال والشهوة ... من اجل أن يتمكن منه العدو حينما يشاء ... وكيفما يشاء ... 

تسليعٌ (commodification) منظمٌ للشرف ... والأفكار ... والإعلام ... أي جعلها سلعة تباعُ وتشترى ... كما يُشترى الأكلُ والشراب ... ثقافة فسادٍ ... نقضي حياتنا وحاجاتنا اليومية بموجب عُرفِها وقوانينها غير المكتوبة ... وننهل منها مواقفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ... ولم يَعد معروفاً على وجه اليقين ... للحليم منا ... أن الثقافة الفاسدة هو ما أنتج الفساد ... أم أن الفسادَ أنتج ثقافة فاسدة ... فالحليم فينا حيران ... مناهج تربوية فاشلة ... أراد منها المخططون الفاسدون أن يُنتجوا مواطناً يقدمُ مصلحتهُ على كل المصالح ... (إنسانٌ دارويني) ... مواطنٌ أناني لايعرفُ إلا نفسه ... وإذا بالغ فإنه يعرف عشيرته وبلدته مسقط رأسه ... ويقدمُهُما على وطنهِ ... وأبناء وطنه ... وإذا قلت له شيئاً عن الوطن والوطنية ... سخر منك ... لأن هاتين الكلمتين ليستا في مفردات قاموسه ... لأننا لا نعيش في وطن ... بل في جغرافيا سياسية مشوهة ... تم تشويهها عن سبق إصرارٍ وتعمد ... ومجتمع مشرذم حتى النخاع ... فمن الأمثلة الصارخة على ذلك ... أن البداوة ... التي هي مجردُ طريقة حياة ... قد جُعلت عرقاً ... يختلف عن بقية مكونات المجتمع ... وكأننا نعيش في رقعة جغرافية مترامية الأطراف... (التجربة الاقتصادية) ...

إن المأساة التي تكتنفنا من حيث لانعلم ... أن كلَ واحدٍ منا يُغني على ليلاه ... وكأنما يغني في طاحونه ... لايسمع إلا نفسه ... أو يرقصُ في عتمة ... لايرى إلا نفسه ... وكما قال أفلاطون " ... إن أعدل الأشياء قسمة بين الناس هو العقل ... " ... وبناءً على ذلك ... ليس هناك مكانٌ للحكمة ... لأن كلَ واحدٍ منا يظن في نفسه أنه الأصلح والأفهم ... فالحكومة ومؤسساتها لا تسمع ... لأنها تظن أنها هي الأقدر على إدارة المرحلة لوحدها دون التحدث مع مواطنيها ... الأحزاب لا تسمع لإنها مؤدلجة ... وإدلوجاتها هي الحَكَمُ على ما يجري ... الفرد لايسمع لأنه ترعرع على التمرد الناعم ... والجماعة لاتسمع ... 

لقد تم تحويل الأجواء كلها ... والمشهد برمته ... إلى مستنقع مشحون بالتراشق في جميع الاتجاهات ... تسمى هذه الحالة في علم النفس السياسي (cacophony) ... وهي أشبهُ ما تكون ... بالحالة العراقية ... كل الإشارات الضوئية مفتوحة ... كلها حمراء ... وخضراء ... وصفراء بنفس الوقت ... من أجل تعظيم حالات الارتباك والتصادم ... والقتل والفساد ... وأن يتلهى الناس ببعضهم البعض ... مقصودة بشكل منظم واستراتيجي ... الهدف النهائي منها ... هو أن يجدَ الفاسدون مكاناً للخروج بعد أن يصفي الناس بعضهم بعضاً ... وينجو الفاسدون باعظم ما يمكن سلبه ... 

ومن جملة ما قام به الفاسدون ... هو وضعهم لأسافين بيني وبينك ... وبين الناس ... كي يفرقوا شملهم ... ويشتتوا كلمتهم ... إسفينٌ بين الشرق والغرب ... وإسفينٌ بين الشمال والجنوب ... وإسفينٌ بين المسلم والمسيحي ... وإسفين بين العربي وغير العربي ... فهذا سلطي ... وهذا كركي ... وهذا بدوي ... وهذا فلسطيني ... وهذا شركسي ... وهكذا ... وهكذا ... حتى انتقلت العدوى إلى العشيرة ... والفخذ من العشيرة ... والعائلة والأسرة ... وانتقلت الخلافات إلى الجامعات التي انقلبت قاعاتها ومدرجاتها من أماكن للعلم والتنوير والمعرفة ... وترسيخ الوطنية ... إلى ساحاتٍ لتصفية الحسابات ... والفُرقة والتجهيل ... ليس بمحض الصدفة .... بل إفسادٌ منظم ... بفعل فاعلٍ خبيث ... عبر سنوات وعقود ... أراد أن تشيع الفتنة والفرقة بين الناس ... حتى يسود هذا الفاسد ... وينفذ مخطط الفساد الذي يريد ... كي يقتتل الناسُ على كراسي التمثيل ... والسلطة الزائفة ... ويتماهى الكلُ مع حالة الفساد المرعبة ... 

وقد جهزوا لك مجموعة من الفاسدين الذين إذا ذكرت الله وحده لعنوك ... وإذا قلت إن أريدُ إلا الإصلاح ما استطعت ... شتموك ... وإذا أسديت نصحاً ... سفهوك وتفهوك ... ووالله لو عُرضت الحال التي نعيش ... على أعظم الحكماء ... فقهاً ... وعمقاً وفهماً ... لاحتار من أين يبدأ ... وأين ينتهي ... واحتار في معالجة الأمر ...

لا أقول ذلك من قبيل فقدان الأمل ... أو الأيس من روح الله ... ففقدان الأمل خطيئة ... والأيس من روح الله كفرٌ بواح ... لكن ... لأنني شخصت الحال حسب مدركاتي الشخصية وجربته بواقعية ... فوجدته أصعبَ من أن يوصفَ بكلمة ... أو جملة ... أو مقالة ... أو كتاب ... ما تليق به موسوعة ضخمة ... تتحدث عن الفساد وتعريفهِ ... واشكالهِ ... وألوانهِ ... وانواعهِ ... التي تغلغلت في شرايين حياتنا ... وأصبحت عاداتٌ ... وموروثات ... وأوثان نعبدها من دون الله ... ومن ثم سلوك وتصرفات ... تتحكم بنا من حيث نعلم أو لا نعلم ... يأتي اختلاس المال العام فيها في قائمة الأشياء الأقلُ خطراً ... وليس المتحدثُ أو المُتحدث بهم ... بمنأى عن خطر هذه الأشكال والألوان من الفساد ... فهي تلفُ حياتنا وتتلفها... وتقضُ مضاجعنا ... وتدمرُ المفاهيم والقيم ... التي تعلمناها من عقيدتنا السمحة ... وتراثنا الفكري والأخلاقي العظيم ... وتشوهُ تاريخنا ... كأمةٍ صنعت مجداً في الغابر من الأيام ... لكننا في هذا الزمن الزامن نندرج في قاع القائمة ... من حيث النزاهة والأخلاق والوطنية ... والقيمة المضافة التي نقدمها إلى الدنيا ... ... وكل ذلك بسبب الفساد وفعله ... فهذا الزمن هو زمن الفساد بامتياز ... وزمن ألعن من زمن الجاهلية الأولى ... والحالة فيه مربكةٌ إلى حدٍ لم نستطع عنده التفريق بين الغث والسمين ... والصالح والطالح ...

مقبولٌ من كل شعوب الأرض أن تحب أوطانها ... إلا أنت وأنا ... فإن محبتنا لوطننا ... المنكوب بالفساد والمفسدين ... تُصنف تحت عناوينٍ شتى ... منها الفتنة ... او الإقليمية ... كما يروج بعض النواب والأعيان الفاسدين ... آكلي السحت والحرام ... ومنها الجهوية ... والعمالة للأجنبي ... وحب المناصب ... والفوضى والمناكفة وكره النظام والدولة ... ومما يؤسف له ويدمي القلب أن هذا الزمن هو زمن الفهلوة ... وإدارة الفهلوة ... فإذا كنت كبيراً اسرق وانهب ما استطعت لإنه ليس هناك من يحاسبك ... وكن عميلاً ... هدفك أن تدمر المجتمع والدولة ... والناس أجمعين إلا اللصوص من أمثالك ... لأنه لن يجرؤ أحدٌ على سؤالك أو محاسبتك ... وإذا قلت كلمة تريد فيها وجه الله ... يخرج عليك ألف شتام ... ولعان ... ومغتال ... ممن دفع لهم ... أو تبرعاً منهم ... لا لشيء بل من اجل أن تكتمل الصورة المربكة المقصودة ... 

في خضم حالة الـ (cacophony) التي أتيتُ عليها ... يغدو الكاذبُ مُصدّقاً... والصادقُ مُكذباً ... والخائنُ أميناً ... والأمينُ خائناً ... وفي هذا الخضم تصعد الرويبضة ... يأتي التافهون من كل حدب وصوب ... من كل الأشكال والألوان والمقاسات ... منهم من أتى من بيوت الهوى ... أصبح منهم مسؤولون كبار ... كبار ... رؤساء وزارات ... 

أذكرُ أن واحداً منهم كان يأتي إلى مكتبه الساعة الثانية عشر ظهراً وهو ثمل ... وأولُ سؤالٍ يتبادرُ إلى ذهنه ويوجهه إلى مدير مكتبه ... ما هي الولائم التي دُعينا إليها اليوم؟ ... أصبح منهم وزراء ... أمناء عامون ... رؤساء هيئات ... موظفون من كل نوع ... انصَبَ جُلَ همهم في تكريس الفساد والإفساد ... وترسيخ أوتاد مؤسسته ... وتقوية الفاسدين وأعوانهم ... حتى أصبح أهون علينا أن نقتلع الجبال الرواسي من أن نتخلص من فاسدٍ حقيقي ... لأن الجعبة (nomenclature)، التي نختار منها رجال الإدارة العامة ملوثة ... وفي هذا السياق أقول ... وفي نفسي حسرة ... وقلبي يتقطع ألماً وحزناً ... بأن واحداً ممن ربوا في حانة لبنات الهوى ... استطاع أن يزرعَ العشرات من اصحاب النفوس المريضة ... في جسمِ ... وشريانِ مؤسسات الدولة المصطفوية ... مؤسسات المملكة الأردنية الهاشمة !!! 

في الوقت ذاته كممت أفواه الفئة القليلة التي تقول " ... يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ... يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله ... شهداء بالقسط ... وطوبى للمصلحين ... الذين يُصلحون ما أفسد الناس ..." ... ومن كثرة سكوتنا على الفسادِ واستشرائهِ بين ظهرانينا ... والصراع داخل حقل التشتت الرهيب ... ضاعت الحقوق ... وأنتشر الفقر والجوع ... والعوز والجريمة ... والتسول والرشى ... والنصب والاحتيال ... بين الصغار والكبار ... فسادٌ لايوفر أحداً ... يُطيح بنا جميعاً ... الكبير قبل الصغير ... وبالتالي كان الفسادُ ... بتلك الأشكال والألوان ... هزيمة نكراء للمجتمع وقيمه النبيلة وافراده الطيبين ... لكنه كان نصرٌ مبينٌ مؤزر ... لإرادة الشر والشيطان ...

والغريب في كل ذلك ... أن محاربة الفساد والمُفسدين ... تتم في بعض الأحيان من فاسدين ... أو عاجزين عن قول كلمة الحق ... لقاء ماذا سكت المعنيون بمكافحة الفساد؟ ... لقاء الكرسي الزائف ... والسلطة الفارغة ... سكتوا من اجل الشعور بنشوة زائلة ... بعظمة هي أقرب إلى الاحتقار من عظمة حقيقية ... وكلُ ذلك من قبيل خلط الأوراق وايهام الناس ... 

اخواني ... اخواتي ...

كيف ترقى المجتمعات وتتطور؟ ... لا أقصد هنا الرقي أو التطور الصناعي ... لكني أقصد الرقي والتطور السياسي والاجتماعي ... الذي هو أساسٌ لكل رقي ... وكل تطور ... وكل عظمةٍ يتمناها أي إنسان ... سؤال طرحه كثيرٌ من الفلاسفة ... طرحه من يريدون الارتقاء باوطانهم ... ونشلها من براثن الفوضى والتخلف والنكوص ... إلى مراتب المدنية الحقة ... وإلى مراتب العظمة ...

كان هناك إجماعٌ ... بين فلاسفة التطور: السياسي والاجتماعي ... ومنهم ماكس ويبر ... على أن المجتمع يقوم تلقائياً بعملية انتخاب طبيعي للأفكار والقيم، وانتقائية لنتاج العقل والمبررات المنطقية (elective affinity) ... يصمدُ منها ويبقى ما يصلح للناس ... ويندثر ويتلاشى ما يضر الناس ... ومن الأفكار والقيم التي تصمد ... يُصاغ ما يسمى القانون الطبيعي (natural law) ... هذا القانون غير المكتوب ... هو الذي بموجبه يتعامل الناس في المجال الاجتماعي ... ويُصاغ منه فيما بعد القانون الوضعي ... وبالتالي فإن حكم القانون ... ليس أي قانون ... بل القانون الرادع ... هو المبدأ الأساس الذي ترتكز عليه عملية التطور ... 

لقد عرّفَ فلاسفة القانون ... أن حكم القانون هو حكم إرادة المجتمع ... وعرّف جون أوستِن ... القانون باعتباره قاعدة وضعت كي تحكمَ سلوك كائنٍ عاقل ... من قبل كائنٍ عاقل آخر يملك سلطة عليه ... " ... 

عند حدوث الفساد ... دون أن يُعاقبُ عليه الفاسد مهما كانت مرتبته .... ووضعه الاجتماعي ... بحكم القانون الرادع ... فإن حُكم غير العاقلين على غير العاقلين يغدو نتيجة منطقية ... ويصبح الناسُ وكأنهم يعيشون في الغاب ... وتصبح شريعة الغاب هي القانون السائد ... القوي يأكل الضعيف ... والكبير يأكل الصغير ... وتتجرد حياة الناس من كل ما يجعل لها قيمة ... وهذا، مع كل الحزن والأسى ... ما آلت إليه البلادُ ... وحُكِمَ به العباد ... صعد الفاسدون إلى الطبقات العليا ... وضعوا السياسات الفاسدة ... ونفذوها بحذافيرها ... حتى أغرقونا إلى جباهنا بمشاريع اقتصادية كاذبة ... بديون وتبعية بالغة الخطورة ... دون أن يرف لأحدهم طرفة عين ... تعهدوا بأن يطعموا الملأ ... المن والسلوى ... والسمن والعسل ... وأن يسكنوهم في قصورٍ وبيوت ... وأن تكون مدارسنا وجامعاتنا ... مناراتٍ للعلم ... يقصدها سوية الناس ... ويهتدي بها المهتدون ... لكن النتيجة التي نراها على ارض الواقع بعيدة كل البعد عن كل ذلك ... فقد قصدوا أن يملأوا حساباتهم من جيوب الناس ... وأن يحبطونا ... ويخذلونا ... ومن ثم تدميرنا ...

مالذي يمكننا عمله ؟ ... بكلمات قليلة ... أن نتكاتف كواطنين من كل المنابت والأصول ... أن لا نكون أغناماً تساق إلى المقصلة حيث يريد الفاسد ... أن نؤمن بأن محاربة الفساد والمفسدين واجبٌ وطني ... لا أماني نتمناها في قلوبنا ... أن نؤمن بأن الإرادة الإنسانية هي أقوى سلاح ... أقوى من الحديد والنار ... نستطيع من خلالها أن نحقق ما يمكن أن يكون مستحيلاً ...أن يُدرك قادتنا ... بأن الله يزعُ بالسلطان ما لايزعُ بالقرآن ...

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....