السبت، سبتمبر 29، 2012

قانون تناقص العائد على الاستبداد والدم

 
عبدالرزاق بني هاني
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، الذي جعل التماثل في الطبيعة قانوناً لايخيب. فقد خطر ببالي التماثل العجيب بين قوانين الاقتصاد وقوانين الثورات والحروب. ومن هذا الإطار استلهمت عنوان المقال. وقبل أن أبدأ بسرد أفكاري أرجو ممن يرى بنفسه غبياً أو متكبراً أن لايستمر في القراءة، لأن المقال موجه إلى اصحاب النفوس الطيبة، والعقول الصافية.
يقول قانون تناقص العائد بأن انتاجية أي شيء، مهما كان شكله وجوهره، لابد أن تتناقص بعد لحظة ما، وهذه اللحظة هي حرجة بطبيعتها. وعلى سبيل المثال ترتفع إنتاجية العمال قليلي العدد على خطوط الإنتاج بزيادة سريعة جداً، ثم تأخذ بالتناقص التدريجي كلما زاد عدد العمال، إلى أن تصبح صفراً، وربما تصبح أقل من صفر لأن كثرة العمال تعيق الإنتاج. وينطبق هذا القانون على الجنود المحاربين في ساحة المعركة، حيث تكون كمية الخوف المستبد في نفوسهم عند بداية الحرب عالية جداً، ثم تأخذ بالتناقص التدريجي إلى أن يصبح الموت شيئاً معتاداً بينهم، ليس لأنهم أبطال، بل لإن الأثر الإضافي للخوف يتلاشى تدريجياً إلى الصفر، وعندها قد يكسب الجنود المعركة. والشكل التالي يوضح الفكرة.

عندما اندلعت الثورة في تونس، ثم مصر وليبيا، رصدتُ (شخصياً) ظاهرة قانون تناقص العائد، وكأنما كان له القول الفصل في حسم الأمور. فقد بدأت المظاهرات ضد أنظمة الحكم على استحياءٍ وخوفٍ ووجل مما قد تقوم به السلطة في كل دولة. فقتلت ونكّلت واعتقلت من جماهير الشعب، حتى أصبح الموت والتنكيل والاعتقال أحداث عادية. وتراجعت كمية الخوف عند المتظاهرين بعد أولِ قطرةِ دمٍ أريقت. وبعد مدة تفاقمت المظاهرات حتى أصبحت عارمة، وكان رد فعل السلطة في كل دولة مزيداً من القتل والتنكيل. وحيث أن كمية الخوف تتناسب عكسياً مع شدة التنكيل، وهو مايؤكده قانون تناقص العائد، فقد اشتدت المظاهرات حتى انقلبت إلى ثورات هزت كيان السلطة في كل دولة وزال نظام الحكم برمته.

مايعجبني في هذا القانون بأنه كامن، وينطبق على أية ظاهرة يمكننا تخيلها. وعلى سبيل المثال، عندما يزداد كذب الحكومة على شعبها، فإن أثر الكذبة الأولى يكون كبيراً جداً، لكن أثر الكذبة التالية يتناقص، وهكذا إلى أن يصبح أثر الكذب صفراً.

إن أعظم شيءٍ اكتشفته في هذا القانون بأن له نتيجة تابعة تقول: ( ... تستطيع خداع كل الناس لبعض الوقت، ...وتستطيع خداع جزءٍ من الناس لبعض الوقت، ... لكنك لاتستطيع خداع كل الناس كل الوقت...). ونصيحتي إلى من يعنيهم الأمر بأن يأخذوا قانون تناقص العائد على محمل الجد، قبل أن يتحلل الناس من خوفهم، ويأكلوا الأخضر واليابس، مثلما يفعل شعبٌ، كنا في الماضي القريب نقول عنه أنه شعبٌ جبان.



 
 


ليست هناك تعليقات: