قرأتُ في مكانٍ ما
ويومٍ ما قصة خيالية. لا أذكر عنوانها،
لكنها شدتني بشكل لافت.
تقول هذه القصة إن
شيطاناً من أبناء إبليس قد ذهب إلى أبيه كي يشكو كبت حريته، وأنه قد آن الأوان لينطلق
إلى ميدان الشرور لوحده، دون رقابةٍ من أبيه. لكن الوالد أبى إلا أن يُخضع ولده
الشيطان الصغير لتجربة محددة، وبعدها يُقرر الأب إذا كان الولد الشيطان يستحق تلبية
طلبه، ويكون قادراً على تنفيذ منهج أبيه في إغواء البشر ودفعهم إلى صنع الشر، وقتل
بعضهم بعضاً من اجل المال والسلطة والشهوة.
فكر إبليسُ بما
سيفعل. ولم يخطر بباله إلا أن يعتكف على رأس جبلٍ هو وابنه، كي يختلي معه ويفكر في
ما هية الامتحان الذي سيخضع إليه الولد. وعندما وصلا إلى قمة الجبل ونظر إلى الجانب
الآخر منه، وإذ بقريةٍ وادعةٍ صغيرة، يقطن فيها أناسٌ قليلو العدد، ويرتبطون بوشائج
القربى والمودة.
تأمل إبليس بما
يريد فعله، ووصل إلى قرارٍ أراد من خلاله أن يمتحن ابنه الشيطان. فقال له اذهب إلى
تلك القرية الوادعة، وأرني ماذا ستفعل، وبعدها سأنظر في تركك حراً مستقلاً، أو أن
تبقى في كنفي من اجل مزيد من الدراسة والتدريب.
سار الشيطانُ
الصغير من قمة الجبل إلى القرية الواقعة في منطقة منخفضة. فوجد عند طرفها كوخاً،
وبجانبه ثورٌ مربوط بحبلٍ ووتد. وكان قرب الثور قِدرٌ الماء الذي يغلي فوق نارٍ
ملتهبة، أوقدتها صاحبة البيت كي تغسلَ ثيابها وثياب زوجها، وألبسة رضيعٍ لها. وقد
وضعت المرأة طفلها الرضيع قرب القِدرِ، يكون بقربها لترعاه وترضِعهُ عند الحاجة.
فكر الشيطان
الصغير بما سيفعله، فخطر بباله أن يرّعظ (أي يهز أو يحرك) الوتد المربوط في الحبل
المعلق في رقبةِ الثور. وفعلاً قام الشيطان بتحريك الوتد، فجفل الثور، وهاج
كعادته، ونطح قدر الماء الذي يغلي فوق النار الملتهبة. فانسكب الماء على سرير
الطفل، فاحترق الرضيع ومات.
بقي الشيطان
الصغير ينتظر قرب الكوخ، وهو ينظر إلى الطفل كيف يموت. وراح يتأمل محصلة فعلته
الشنيعة.
صرخت المرأة من
جزعِها على رضيعها، وكان زوجها قريباً من المكان، فركض مسرعأً إلى الكوخ، وإذ
بزوجته تبكي وتصرخ حزناً وفجعاً على رضيعها.
سألها عن الأمر،
فأخبرته أن الثورَ قد نطح قِدرَ الماء المغلي، فانسكب الماءُ على الرضيع فاحترق
الرضيع ومات.
صرخ الرجل في وجه
زوجته، واعتبر أن ما حدث كان بسبب إهمالها، وأخذ بضربها ضرباً مبرحاً، فزاد صراخها.
بعد قليلٍ سمع
أهلها صراخ ابنتهم فهرعوا إلى المكان، وإذ بزوجها يضربها ويشتمها، فدخلوا في عراكٍ
معه وقتلوه. فسمع أهل الزوج صراخ ابنهم، فنفروا من بيوتهم ليستوضحوا الأمر، وإذ
بابنهم مسجى مقتولاً على قارعة الطريق.
اشتبك الطرفان
طيلة تلك الليلة الظلماء وطوال اليومين التاليين. وما أن انتهت المعركة حتى كانت
القرية خراباً وسواداً، وقد قتل عددٌ كبيرٌ من ابنائها.
اطمأن الشيطان
الصغير إلى نتيجة فعلته، وقفل راجعاً إلى أبيه كي يُعلِمُهُ بالمحصلة، وقص عليه كل
ما حصل.
ربت إبليسٌ الأب
على كتفِ ولده الشيطان، وكان فرحاً ومسروراً من كل ذلك، وتبسم في وجهه وقال له
" ... الآن يا ولدي تصبح حرأ طليقاً
... سِرْ وامضِ ... فأنت اليوم من طبقة الأبالسة الذين أعتمد عليهم ... "
انطلق الأبليس
الجديد في مهمةٍ جديدة.
بعد مراجعتي لبعض
الوثائق السرية وجدت أن الخطة قد أحكمت كي تجعل ابن السلط كارهاً لابن الكرك، وابن
إربد كارهاً لابن الطفيلة، وابن شرق النهر كارهاً لابن غربه .... والمسيحي كارهاً
للمسلم ... والعربي كارهاً لغير العربي ... وهكذا حتى يكتمل مسلسل الفتنة. لكن
الأخطر من كل ذلك أن هناك أباليساً آدميين، أشد خطراً على وجودناً. وهم الآن يُعدون
الخطة كي يجعلوا منا بهائم تتعارك من اجل السلطة الفارغة. احذروهم فهم الأعداء،
وخاصة أولئك الذين يدافعون عن الفاسدين لأنهم من الأقليم الذي يعيشون فيه. لا
تنظروا إليهم، فهم الفتنة بذاتها. وليموت الفاسدون وأعوانهم بغيضهم. ولاينبغي لأي
واحدٍ منا أن يستجيب لهز الوتد مهما كانت المغريات الدنيوية المتهافتة، فإنها
لامحال تنتهي مهما طال الزمن، ويبقى الإخاء والخلق الحسن، والأصالة عند أهلنا من
كل المنابت والأصول.
اللهم
إني بلغت !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق