السبت، مايو 12، 2012


لو كنتُ مَلِكاً وصديقي خوسيه...
بقلم د. عبدالرزاق بني هاني
كنت كثيراً ما أتحاور مع صديق الطفولة خوسيه حول قضايا الحياة والحكم والحرب والسلام. وقد دخلت معه يوماً في نقاش فكري شعرت خلاله بشيء من المتعة  وسمو إنسانيته، أتذكر بعضاً مما قاله:
·        لو كنتُ مَلِكاً : لطردتُ كل بطانتي، واتخذت رعيتي حاشية ... وسرّحتُ كل حرسي، وجعلت قلوبَ الناس لحبي آنية ... كي يكونوا لمملكتي حامية ... وأقلتُ حاجبي، وجعلت من شعبي أعيناً ساهرة!
·        لو كنتُ مَلِكاً: لأبعدتُ من قصري كل المترفين ... وقربّتُ من نفسي جموع الجائعين والبائسين!
·        لو كنتُ مَلِكاً: لسجنتُ كل أئمة المساجد وقساوسة الكنائس ... وتقدمت جموع المؤمنين ... وسجدت بين يدي الرب الديان ... ليالٍ وأيامْ !
·        لو كنتُ مَلِكاً: لنفيتُ كل القضاة ... وأمسكت بيدي عصاة ... وكسّرّتُ أنفسَ الفاسدين العُصاة !
·        لو كنتُ مَلِكاً:  لأقلتُ كل مُتحذلق ... وذهبت إلى كل مدرسةٍ وجامعة ... كي أجتث الجهل والجُبْن من العقول  ... وأضخ مكانها عِلماً ونوراً فوق نورْ!
·        لو كنتُ مَلِكاً: لكبّلتُ كل مُستبدْ ... وجعلت الميزان ناطقاً رسمياً باسم دولتي ...
·        لو كنتُ مَلِكاً: لما سمعت إلا لمن يُسدي لي عشرَ نصائح في اليوم ... ثلاثاً منها كيف أسْعِدُ رعيتي ... وأربعاً منها تُغضبني  كي أعودَ إلى رُشدي. وسأكره كل من يُسدي لي بنصيحةٍ بعد فوات الآوان لإنها تكون كالسم أو كالدواء بعد الموت، لافائدة منها !!!
·        لو كنتُ مَلِكاً: لجعلت عَلمَ دولتي على شكل قلب أبيض خافق ... فوقه حمامة بيضاء بيدها بندقية!
·        لو كنتُ مَلِكاً:  لأسميت مملكتي (مملكة الحب والعلم والنور) ... وألغيت ثلاث كلماتٍ من لغة أهل بلادي هي الكرهُ والجهلُ والظلام !
·        لو كنتُ مَلِكاً: لحبستُ كل عابس ... وأستهرت بكل ضاحك ... واحببت كل مُبتسمٍ طليق الوجه !

قلت: كفاك يا خوسيه، فقد أصبحت في نظري وكأنك للملوك واعظ !
قال: ياصديقي إنسانٌ للملوك واعظ خيرٌ من جاهلٍ مارق ... أو إعلامي منافق !
قلت: أرجوك دعك من هذا الكلام. قل لي شيئاً عن هؤلاء المحرومين الذين يجتازون الصحراء نحو تكساس بحثاً عن لقمة العيش !
قال: ألم تكن معنا ليلة البارحة عندما غنى بوب ديلن[1] أغنية (تهب مع الريح) ؟
قلت: أخذتني الإيقاعات الخلابة، ولم انتبه إلى كلمات الأغنية.
قال: دعني أكتبها لك، وأنت تحفظها إذا شئت:

كم تجربة ينبغي للصغير أن يخوض غمارها قبل أن نسميه رجلاً ؟
وكم بحر ينبغي للحمامة البيضاء أن تحلق فوقها قبل أن تنام على الرمال البيضاء ؟
وكم قذيفة سيطلقها المدفع قبل أن يتم تحريمها إلى الأبد ؟

إن الإجابة ياصديقي تهب مع الريح (في أنفاسنا) !

كم سنة قد يصمد الجبل قبل أن ينجرف إلى البحر ؟
وكم سنة يبقى بعض الناس (عبيداً) قبل أن يصبحوا أحراراً ؟
وكم مرة يشيح المرء بوجهه متظاهراً أنه لايرى ؟

إن الإجابة ياصديقي تهب مع الريح (في أنفاسنا) !

كم مرة على المرء أن ينظر إلى الأعلى قبل أن يرى السماء ؟
وكم أذنٌ يجب أن تكون للانسان كي يسمع للناس بكاء ؟
وكم حالة موت يجب أن تحدث حتى يعرف بأن كثيراً من الناس يقتلون ؟

إن الجواب ياصديقي يهب مع الريح (في أنفاسنا) !
قلت: خوسيه، أيها الصديق، إنك تقرأ عليّ طلاسم، لا أكاد أفهما !
قال: دعني أذكّرُك بما قاله لك صديقنا فرناندو: تباً للعلماء لأنهم لم يكتشفوا، بعد، دواءاً للبلادة والغباء !!!




[1] - المغني الأمريكي الشهير (Bob Dylan). والأغنية هي (Blowing in the Wind).

ليست هناك تعليقات: