الخميس، مايو 03، 2012

فرناندو وقاموس الويل ... (1)




فرناندو وقاموس الويل ... (1)

بقلم د. عبدالرزاق بني هاني

كان فرناندو صديقاً عزيزاً عليّ منذ كنا طالبين في الجامعة. أحببته حباً جماً لمِا وجدتُ فيه من صدقٍ وأمانةٍ لم أعهدها في انسانٍ قبله. كان ذكياً مفوهاً، وبارعاً في الشعر وأدب الأمثال، وتمتع بذاكرةٍ كنت أتمنى لو كان عندي عُشرها. وقد تخصص في الاقتصاد، ولو تخصص في الأدب لكان أجدى له.

قال لي ذات يوم إن جده لأبيه (فرناندو الجد) كان له من العمر أحدَ عشرَ عاماً عندما قاتلَ مع الجنرال الدكتاتور سانتا آنا في موقعة ريوغراندي بين تكساس والمكسيك في العام 1846. لكن الجد فرناندو سرعان ما انشق عن الدكتاتور، وانضم إلى جيش القائد الأمريكي أوستن، عندما أدرك بأن سانتا آنا كان يُخطط للإطاحةِ برفاقه إذا انتصرَ على الأمريكيين. واعتبر نفسه محارباً من اجل الحرية مهما كانت التسميات الشكلية التي ينضوي تحت لوائها. فالحرية بالنسبة له قيمة لاتقبل التقسيم، وتستحق أن يُعذب أو يموت الانسان كي يحققها، وهي حسب قول الجد ( ... أمرٌ من الرب ... والانسان بدونها يغدو حيوانا ًيمشي على أربعٍ ... !).

قلت: ينطبق على سانتا آنا المثل الشعبي الأردني ( ... من نوى على حرق البيادر مات قبل الحصيدة ...)،  وما أكثرهم في عالمنا!

قال: أذكُرُ بأن أبي قال لي بعض الحِكَمْ التي تنطبق على كل من يعيش في العالم المنكوب، وقد تعلمها من جدي فرناندو، وجدي تعلم بعضاً منها من سانتا آنا. ويبدو لي أن سانتا آنا كان من أصولٍ عربية، تعلمَ الكلام من أجداده الذين رحلوا مع الإسبان إلى المكسيك، ثم إلى بقية أمريكيا اللاتينية.

قلت: وما هو العالم المنكوب ؟

قال: نحن ... أنا وأنت ...  وكل من أتى من عالم البؤس والفقر.

قلت: ما أنا بفقير ولا بائس.

قال: كفاك هُراءاً، إن لم يكن صوتك مسموعاً فأنت بالضرورة بائس وفقير. أليس في بلدك واحدٌ أو قلة من الاشخاص من مسموعي الصوت ولهم أثر أكثر منك ومن كل شعبك وقبائلك المتهالكة ؟

قلت: بلى !

قال: اسمعْ ما قاله أبي، أو مما قاله على لسان جدي ثم على لسان سانتا آنا. اطلقت عليه (قانون الويل):

قلت: قانون الويل !

قال: نعم، وأرجو أن تكف عن مقاطعتي !

·        ويلٌ لقاضي الأرض من قاضي السماء.

قلت له: ويحك، هذا قولٌ لعربي.

قال: نعم، وقد سمعت أبي يردده كحكمة عظيمة. وسمعت منك يا هذا قولْ: (ويلٌ للمترفين إذا ثار الجياع). وأنا بدوري أعيد صياغة المقولة الأولى لتصبح: (ويلٌ لقاضي الأرض من قاضي السماء، وويلٌ للمترفين إذا ثار الجياع، وويلٌ لصاحب السوط إذا أهان العباد، وويلٌ للقطط إذا جاعت الكلاب والضباع، ... قد يحسب ولي الأمر أنه بمأمنٍ ... فالبشر إذا جاعوا أو أهينوا ... أصبحوا أسوداً أو سباعْ !).

قلت: أثرت الرعب في قلبي !

قال: لاتخف، قد خلق الله الدنيا على هيئة كرة، فمهما كانت الأحوال والأفعال، فإنها ستدور في الفلك السابع إحدى وعشرين مرة، وترتد على صاحبها ... إنْ خيراً فخير، وإنْ شراً فشر!

في تلك اللحظة، نزلت مني دمعة حارقة، لم أعرف لماذا، وشعرت بالرهبة والخوف.

قال دعني أقص عليك المزيد مما قاله سانتا آنا لأبي:

·        ويلٌ للعلماء، لأنهم لم يكتشفوا علاجاً للبلادة والغباء !

·        ويلُ لمن لايعرف أن في الحساب، فقط، يكمن صحيحُ الجواب !

·        ويلٌ لمُحارب يقاتل بكفٍ مُستعارْ ! (والأصل هو : ويلُ لجيشٍ يحارب بشجاعةٍ مستعارة).

·        ويلٌ لحمارٍ يحمل ذهباً ويختار الصعود إلى العلياء !

·        ويلٌ لحكيم يقف وراء حمارٍ يرفس، أو يمشي الخيلاء !

·        ويلٌ للحمار لأنه لايحب إلا أن يسمعَ نهيقه، وإذا سافر فإنه لن يعود حصناً !

·        ويلٌ ثم ويلٌ لمن يملك القمح، ولم يُطعِم الجياع !

·        ويلٌ لمن يغسل الدم بالدم !

·        ويلٌ لمن يقيس حذاؤه على قدم غيره !

·        ويلٌ لمن تُسْقِطُ الرياح زهور قلبه.

·        اليد المكسورة تعمل، لكن القلب المكسور لايعمل !

قلت: لم يكن في آخر حكمةٍ كلمة ويل !

قال: فاتني ذلك! ...

وتنهد قليلاً وقال: ويلٌ لمن يكسر قلوب الناس بجبروته، لأنه ينازع الرب بالعظمة، فالحساب قريب، ولم يعد شيء في الدنيا بعيد.



 

ليست هناك تعليقات: