الثلاثاء، أبريل 10، 2012

فأر القرعة والبيطرة الاقتصادية

بقلم د. عبدالرزاق بني هاني
تعجبني كثيراً مشاهدة أفلام الطبيعة ... كيف تعيشُ الوحوش والحيوانات في الغابةِ والبرية. وأكثر ما يدهشني هو قدرة العلماء على تصوير احداثٍ في عالم الطبيعة لم تكن متاحة من قبل لولا التطور التكنولوجي الذي شهدناه خلال السنوات العشرين الماضية.
استطاع هؤلاء العلماء تصوير الحيتان والقروش والأسماك تحت سطح البحر بآلاف الأمتار، واستطاعوا أن يصوروا تناسل النمل والنحل، وانقسام البكتيريا، لكنهم لم يتمكنوا إلى الآن من تصوير المشهد التالي، مما يعني أن العلم ما زال قاصراً عن تصوير كل ما يحدث في عالم الطبيعةِ المذهل. وهاكم المشهد:
استطاع فأرٌ صغير الجسم، وزنه خمسين غراماً، أن يدخلَ إلى ثمرةِ  قرعٍ من فتحةٍ صغيرةٍ كانت سعتها بمقدار حجم جسمهِ الصغير. وبدأ هذا الفأر بالتهام كل ما يقع في طريقهِ داخل القرعةِ بشراهةٍ غير معهودة في حياته. فقد وجد طعاماً لذيذاً لم يره من قبل.
أخذ هذا الفأرُ يأكلُ ثم يأكلُ ثم يأكلُ من لب القرعة. وفي كل يومٍ تتحسن صحته، ويزيد وزنه ثم يزيد. ومع الأيام التي قضاها داخل ثمرة القرع وصل وزنهُ إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ في حياته. فقد وصل وزنهُ إلى (500) غرام، ثم أصبح بعد عدة ايامٍ (1000) غرام. وكان الفأرُ يشعرُ بالسعادةِ الغامرة على النعمةِ التي اسبغها الله عليه، دون جهدٍ يُذكر إلا الطاقة التي يُنفقها على الأكل وهضم الطعام والتغوط  داخل القرعة.
بعد مدةٍ ليست بالقصيرة قارب الغذاءُ داخل القرعةِ على النفاذ. وتحت حرارة الشمس الحارقة، جفت قشرة القرعة القاسية أصلاً، وأصبحت كجلمودٍ من الصخر الصلب، لايستطيعُ طيرٌ او حيوانٌ أن يخترقه.
نفذ الطعامُ داخل القرعةِ، وأراد الفأرُ أن يخرجَ منها، لكنه لم يتمكن من ذلك. فقد كبُر في وزنهِ وحجمهِ حتى أصبحا كبيرين إلى حدٍ لم يُمكناهُ من الخروج. فقد زاد وزنهُ وحجمهُ باضعافٍ مضاعفة.
أخذ الفأر ينهش باسنانه هنا وهناك، لكنهُ لم يتمكن من احداثِ ثغرةٍ في قشرة القرعة، لأنها أصبحت صلبة إلى حدٍ غير معقول.
ما الذي يمكن لذلك الفأر المسكين أن يفعله، وقد أصابه الاكتئاب داخل القرعة؟
لقد أراد أن يخرج كي يتنفس مثل باقي المخلوقات. احتاج إلى الماء فلم يجده داخل القرعة بسبب نفاذ الألياف التي تغذى عليها. ولم يكن له بديل سوى الانتظار، ثم الانتظار حتى يبعث الله له بالفرج.
ويوماً بعد يوم أخذ وزنهُ بالانخفاض التدريجي. وحاول الخروج بعد عدة ايام، لكنه لم يتمكن. فانتظر أياماً ثم أيامٍ، وخسر من وزنهِ جزءاً كبيراً. انخفض الوزن مما يزيد عن الف غرام إلى أقل من (500) غرام، ولم يتمكن من الخروج، فاضطر إلى الانتظار. وبقي هكذا وهو يتضور جوعاً، ولم يجد ما يقيم أوده إلى أن انخفض وزنه إلى أقل من (50) غراماً، استطاع بعدها الخروج، وكان منهك القوى، هزيل الجسد.
لم يتمكن الفأر من منافسة أقرانه من بقية الفأران في الحقل، إذ كلما اراد أن يتشارك مع أحدهم الطعام، كان هذا الأخير يركله ويكيل له من الضرب والشتائم. فقرر أن يعود إلى سيرته الأولى ليعتمد على نفسه ويرتع ويتغذى حسب قدرته وحاجة جسمه الصغير.
ما هو وجه الشبه بين حال الفأر وحال اقتصادنا الوطني؟
الحقيقة أن علماء الاقتصاد الذين أدخلوا اقتصادنا الوطني إلى القرعةِ كانوا يجربون مهاراتهم الاقتصادية المدمرة حتى نفخوا الاقتصاد إلى درجةٍ لاتطاق، وانطبق عليهم المثل الشعبي ( ... فلان يتعلم البيطرة على حمير الغجر " النوَرّ " ...)، أي أنهم كانوا يمارسون البيطرة الاقتصادية، أكثر من التنظير والممارسة الاقتصادية. وقد اردت بهذه القصة أن أقول بالحرف الواحد أن بعض المسؤولين في بلدنا قد خانوا الأمانة من قلة فهمهم  أو من خبث فكرهم. فهاتان الحالتان متشابهتان، أي أن قلة الفهم مرادفة للخبث.  ولو علم علماء الطبيعة (أو الاقتصاد) العالميين لهرعوا إلينا مع طواقم التصوير كي يسجلوا أغرب حادثة في تاريخ العلم، وهي كيف خرج الفأر من القرعة بعد رغد العيش الذي تمتع به، وكيف تمكنت ثلة من الاقتصادين الخبيثين من تدمير اقتصادنا !!!    


ليست هناك تعليقات: