الأربعاء، يوليو 31، 2013

كيف تنهارُ الأوطان ؟!....

 
******************* كيف تنهارُ الأوطان ؟! ****************
جاءني الشيخُ ... وكان منهكاً ... فقد تجاوزَ عُمرهُ 250 عاماً ... ورغم سِنه المتقدمة، إلا أنه مازال مُتقدَ العقل وذو بصيرة ثاقبة ...
قال لي يابني: إني أرى وجهك شاحباً ... وكأن الحزنَ يلفكَ ويملأ جوفك ...
قلتُ: بلى يامعلمي ...
قال: على رسْلِك ياولدي ... لاتبتسر الأمر ... لكلِ أجلٍ كتاب ... لن تفارق الحياة حتى ترى ما لم يره السابقون !!! ...
ثم قال: دعني أقرأ عليك - وليس لك - بعض ما استَجمَعتهُ سنون حياتي وقد وهنَ العظمُ مني واشتعلَ الرأسُ شيباً وبلغتُ من العمرِ عِتيا ...
قلتُ: تفضل ياسيدي ...
قال: أتعلم متى تنهارُ الأوطان ...؟
قلتُ: لا ...
قال: تشتعلُ فيها النيران والناسُ في غفلةٍ ... أو نيام ...
قلتُ: ياسيدي ... هذا معلومٌ بالفطرة !!! ...
قال: ألم أقل لاتبتسر الأمر ...
قلتُ: المعذرةُ ياسيدي ...
قال: تعلمتُ من الأمم منذ عهد سقراط وزينوفون وأرسطو وأفلاطون وإلى هذه اللحظة ... بأن الرأسَ والبطن وما أسفل البطن بقليل هو علةُ الجسد المطلقة ...
قلت: لم أفهمك ياسيدي ...!
قال: تنهارُ الأوطان عندما يصبح السلطان كالسرطان ... ينهبُ من جيوب الناسِ وهم كالسحالي ... ينهشُ من لحومهم كأنه أفعوان ... !
قلت: وماذا ...
قال: وحينما يصبح الحاكمُ وحاشيتهُ كأنهم أوثان ...
يحني لهم الناسُ ظهورهم في الجلوس والقيام ... حتى ولو كانوا نيام ... !!!
ويصبح رعاةُ الإبلِ ... وزراءٌ وأعيان ...
قلت: وماذا ؟ ...! ...
قال: ونساءُ القومِ ذكورٌ ... وأزلام ...
والجاهلُ مستشارٌ ومعلمٌ وفنان ... ويغدو الأحرارُ كأنهم عبيدٌ وأقنان ...
وتصبح الرايات المُنكسات ... مفخرةٌ وأعلام ....
عند تلك اللحظة انتابتني قشعريرة كادت أن تقتلني ... لكن الشيخ استرسل في الحديث قائلاً:
وتصبح البطولات أوهام ... لانراها إلا في مسلسلاتٍ وأفلام ...
والأميون أصحاب رأي وأقلام ...
ويُكرمُ الصحفيون اتقاء شرورهم واللسان ...
ويصبح اللصُ قسيساً أو إمام ...
والوطنية كذبة كبرى ... مختزلةٌ في الأغاني والخطابات وتوافه الكلام ...
ويصير الخيرُ ... فقط ... للدعاية والإعلان ...
قلت: سيدي ظننتك قد جئت لتسمعني شيئاً يريحني ...
قال: ياولدي لن تهنأ وترتاح طالما بقي فيك ذرة من ضمير إنسان ... وبخلاف ذلك تكون حيوان ... أو بهيمة الأنعام ...
وأدار الشيخُ ظهرهُ ... وغادر المكان ... وإذ بي أصحوا من كابوسٍ ثقيل ...
أرجو من د. ريما زريقات أن تعلمني كيف أتخلص من تبعاته ... فقد أصبحت عقدنا النفسية كالجبال الرواسي ... 

ليست هناك تعليقات: