بقلم د. عبدالرزاق بني هاني
كنتُ قبلَ مدةٍ أقرأ كتاباً علمياً عن تطور
اللغة وتبدل معاني الكلمات والمصطلحات والمفاهيم بين الحقبات الزمنية، وكيف ينحتُ
الناسُ كلماتٍ جديدة ومصطلحاتٍ خلاّقة تصبح مع الأيام جزءاً من اللغة المحكية
عندهم، وذلك في نطاقٍ جغرافي مُحدد، وكيف تصبح بعض الكلمات والمفاهيم آبدة مع الزمن.
كتاب اللغة والاقتصاد الذي تم نشره باللغة
الألمانية في العام 1992، وترجمه د. أحمد عوض، ونشره المجلس الوطني للثقافة
والفنون والآداب في الكويت، في العام 2000 في العدد 263 من سلسلة عالم المعرفة،
يستحق القراءة المتمعنة، لما فيه من فوائد جمة، تتحف القارىء بمتعةٍ فريدة في رؤية
تطور اللغة مع الزمن، وكيف تستعير الشعوب من لغات بعضها بعضاً.
شعرت بالغبطة والغيرة والحزن معاً عندما
تصفحت الكتاب، وخطر في ذهني شيء غريب، وهو أن أحاول أن أضع مسَوَدة لقاموس غريب،
أقدمُ فيه بعض الكلماتِ والمصطلحاتِ والمفاهيم التي كان لها معانٍ مُحددة خلال
القرن الماضي، وما آلت إليه تلك المعاني في العقدين الأول والثاني من القرن الحادي
والعشرين الراهن. يسمى كاتب القواميس باللغة اللاتينية – الإنجليزية (lexicographer).
لكن كاتب القواميس من الطراز الذي أقترحه يختلف أشد الاختلاف عن الـ (lexicographer)
المبين أعلاه، لأن المُقترح الأول (وهو أنا في هذه الحالة) يخطبُ ودَ الناس كي
يضيفوا إليه ما يشاؤوا من كلماتٍ ومصطلحاتٍ ومفاهيم يظنوا أنها تعرضت إلى تغيرٍ
وتبدلٍ في المعنى والتطبيق.
صنفتُ الكلمات والمصطلحات والمفاهيم في ما
قد تندرج تحته من تصنيف، أي من حيث كونها اسم (س)، أو فعل (ف)، أو نعت أو صفة (ص)،
أو حال (ح). وهاكم مجموعة عشوائية من الكلمات التي خطرت على بالي، كانت تحمل معانٍ
خلال القرن الماضي، وما تعنيه الآن، أي في العقدين الأول والثاني من القرن الحادي
والعشرين:
• الله (س): كلمة دلت على اسم الجلالة،
وكانت في عقيدة معظم الناس في القرن العشرين، وماقبله، تعني العظيم خالق كل شيء،
قيوم السموات والأرض، مُرسل الرُسل والأنبياء، وباعث الخلائق يوم القيامة،
ومُحاسبهم على أقوالهم وأفعالهم في الحياة الدنيا، وإليه يلجأ الناسُ عند الملمات
يدعوهُ خوفاً وطمعاً، وهو المُعطي من غير سؤال، والمُعلم من غير كلام، غافر الذنب،
الواحد القهار. أما استعمال الكلمة في القرن الحادي والعشرين فيقتصر على القسَم
الذي يؤديه رئيس الوزراء والوزراء ورؤساء الهيئات... أو من هو على شاكلتهم، بأنهم
سيحافظوا على الدستور ويحترموا القوانين ويخدموا الشعب. لكنهم قلما يلتزموا
بالقسم، وكثيراً ما يحنثون به. وتستخدم الكلمة في قسَم الشاهد أو المُتهم أمام
القاضي بأنه سيقول الحق، ولا شيء غير الحق، لكن معظم الشهود والمتهمين يحلفون
أيماناً غموسة. واليمين الغموس في لغة العرب هو اليمين الذي يغمسُ صاحبهُ في
النار. ومن استعمالات الكلمة أيضاً ما يحدث عند بعض التجار في القسم الذي يحلفونه
لترويج بضائعهم الكاسدة، أو الفاسدة.
• الدين (س): كلمة تدل على عقيدة
الانسان حول الحياة وما بعدها. كانت في القرن العشرين تجمع الناس لعبادةِ معبودٍ
واحد (أو أكثرفي حالة الشرك). دعت إلى حب الانسان لأخيه الانسان، والرفق بالحيوان،
والحفاظ على السلم الاجتماعي ونشر الفضيلة، ومحاربة الرذيلة والخيانة والفوضى. أما
في القرن الحادي والعشرين فيقتصر استعمال الكلمة باعتبار الدين مطية يركبها بعض
المشعوذين والسحرة، وتستخدم في سياقاتٍ تعمل على تفريق شمل الناس والتقوقع وبث
الشك والريبة حول الآخرين، ونشر الفوضى والطائفية. وقد تفرعت ديانات كثيرة بسبب
سياسات الدولة المعاصرة، فنشأت ديانة العشيرة، وديانة البلدة، وديانة الأقليم
وديانة البداوة. ومرادفاتها باللغة اللاتينية – الإنجليزية: (Tribalism)،
(Citism)، (Regionalism)،
و (Bedouinsim)
على التوالي. ويُشبّه مؤرخو القرن الحادي والعشرين هذا الوضع بالحالة التي وصل
إليها قدماء الإغريق، حيث تعددت الديانات والآلهة، وحالة الفراعنة عندما كانوا
يعبدون الفرعون الإنسان من دون الله.
• القانون وحُكم القانون (س، ص):
عُرّف القانون في القرن العشرين بأنه مجموعة القواعد الناظمة لحياة الناس في منطقة
ٍجغرافيةٍ واحدةٍ ذات سيادة. وحُكم القانون هو التطبيق الأفقي لكل القواعد الناظمة
لحياة الناس على كل الناس بالتساوي. أما معنى القانون في القرن الحادي والعشرين
فهو حكم القوي على الضعيف، ومجموعة القواعد الناظمة لحياة الفقراء والبؤساء. ومعنى
حُكم القانون هو تطبيق القانون على كل الناس باستثناء أسياد القانون.
• الحب (س، ح): كلمة كانت في القرن
العشرين تعني المودة والعاطفة الجياشة والإيثار والتفاني من أجل الغير، وخاصة
المحبوب أو المعشوق، كالزوج والزوجة والبنات والأبناء، والوطن. أما الاستعمال في
القرن الحادي والعشرين فإنه يقتصر على المصلحة المادية أو الرغبة الجنسية بين
الذكور والإناث.
• البورصة (س): مكان مادي أو معنوي،
حقيقي أو افتراضي، كان الناس في القرن العشرين يتداولون فيه بيع وشراء اسهم
الشركات المساهمة العامة. وهو مرآة الاقتصاد، فكلما زاد الاقتصاد قوة ومنعة، زادت
أسعار الاسهم المتداولة. أما استعمال الكلمة خلال العقدين الأولين من القرن الحادي
والعشرين فيدل على المكان المادي أو المعنوي، الحقيقي أو الافتراضي، الذي يتم فيه
غش الناس بعضهم لبعض، والتغرير باالفقراء والجهلة والبسطاء، وأكل أموال الناس
بالباطل من قبل العارفين ببواطن الأمور، بحيث يتغاضى عنهم حكم القانون والسلطة
المعنية بالرقابة.
• تغريدة (س) : كلمة حديثة
الاستعمال، أصلها الفعل الثلاثي غَرّدَ، والكلمة المرادفة لها بالإنجليزية (tweet). لم تكن مستعملة في القرن العشرين، لكن
المرادف لها بالعربية في ذلك القرن هي (حكمة) أو (كلمة طيبة) يستعملها حكيم أو رجل
دولة حقيقي، ويطلقها من اعماق قلبه لتوعية عامة الناس. أما الاستعمال الأعظم لها
في القرن الحادي والعشرين يكون في مسبة أو شتيمة، أو قول سخيف، أو تبادل الآراء
الفارغة من المضمون والمعنى.
• ثمر (س): جمع ثمرة، وهي كلمة كانت
تدل في سبعينيات القرن العشرين وما قبله على الفاكهة والخضار المنتج محلياً. أما
في القرن الحادي والعشرين فهي تدل على الفاكهة والخضار المستوردة، التي لايستطيع
الفقير شراءها بسبب غلاء سعرها.
• الوطن (س): كلمة آبدة، تم
استخدامها في الستينيات من القرن العشرين لتعني أن للناس هوية جامعة واحدة. أما
استخدامها في القرن الحادي والعشرين قيقتصر على اعتبار المدينة ( إربد، السلط، أو
الكرك مثلاً) أو القرية أو العشيرة التي ينتمي إليها الفرد بأنها أوطان بديلة عن
الوطن الأصيل. ويتوقع خلال العقود الأربعة المقبلة أن تعلن هذه المدن والقرى
والعشائر انفصالها عن الوطن الأم وإنشاء دولٍ بديلة، وإصدار جوازات سفرٍ لأفرادها
كي يتميزوا عن غيرهم من الأمم. ويتوقع أحد المحللين السياسيين أن الأمة الصخرية
ستعلن انفصالها خلال السنوات الخمس القادمة.
• الوطنية (ح): كلمة آبدة، كان آخر
استخدامٍ لها في الستينيات من القرن العشرين، وكانت تستعمل في وصف شخصٍ ما، ومثال
على ذلك: (محمدٌ وطني) ويقصد بها أن محمداً يُحبُ وطنه ويغار عليه. ليس لها مرادف
في القرن الواحد والعشرين، لأن معنى كلمة حب قد تغير وليس هناك استخدام لكلمة
يغار، فقد منعت السلطة استخدام المثل الشعبي ( إللي ما بغار حمار)، والسبب في ذلك
أن وزارة التربية والتعليم لم تتمكن من اقناع طلبة المدن بأن هناك حيواناً محلياً
اسمه حمار، شفقة عليهم !!
• حب الوطن (ص، ح): مصطلح آبد، كان
آخر استخدام له في ستينيات القرن العشرين. وكان مفهوماً ترضعه الأم لطفلها، وتدرسه
رياض الأطفال والمدارس والجامعات. ومع بداية القرن الحادي والعشرين تم تجريم
استعمال المصطلح في الكتب والمجلات والصحافة، ومنعت السلطات استعماله في اللغة المحكية،
واعتبره عامة الناس في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين مصطلحاً سمجاً
وبائخاً لامعنى له.
• العشيرة (س): كلمة كانت تعني في
القرن العشرين تجمعاً للبشر الشجعان الأوفياء، الذين يؤدون وظيفة اجتماعية –
تعليمية هامة جداً، ومنها حب الوطن بكل اطيافه، وإكرام الضيف والذود عن الحمى. أما
في القرن الحادي والعشرين فهي تدل على العنصرية واحتقار العشائر الأخرى والتكبر
على الآخرين، وممارسة العمل السياسي بجهل، والتباهي بالغش والتزوير وايصال أسوأ ما
لديها من رجالٍ إلى الوظيفة العامة.
• الوحدة الوطنية (ص، ح): مصطلح كان
يُستخدم خلال القرن العشرين في التأكيد على أواصر القربى والمودة والتعاون بين
المكونات الاجتماعية والإثنية للجماعة التي تقطن رقعة جغرافية واحدة، دون أن
يتنافس أفرادها على الموارد المحدودة. أما الاستعمال المعاصر للمصطلح فيقتصر على
توكيد الفرقة والاحتراب والكراهية والتصارع بين الناس على الموارد المحدودة
للدولة، بما فيها الوظائف العامة.
• النصر (ح): كلمة كانت تعني في
القرن العشرين أن الدولة بشعبها وجيشها قد انتصروا على عدوٍ خارجي. أما الاستعمال
في القرن الحادي والعشرين فيقتصر على تنكيل الشرطة وقوات الدرك بالمتظاهرين
السلميّين العزّل المطالبين بالحرية ومحاربة الفساد.
• الإعلامي (س): كلمة كانت في القرن
العشرين تدل على شخصٍ يتوخى المعلومة الصادقة لنشرها في الصحافة من اجل تنوير
الناس وتوعيتهم. أما الكلمة في القرن الحادي والعشرين فتدل على شخص يتوخى الكذب
لنشره في الصحافة من اجل ترويع الناس واحباطهم وابتزازهم.
• الحق (س، ص، ح): كلمة جميلة،
تحبها النفس الطيبة ويتوخاها كل ذي عقل ولب. كانت تستخدم على نطاق واسع عند إنسان
القرن العشرين لتعني العدل والمساواة والقسط. أما في القرن الحادي والعشرين فقد تم
إلغاؤها لأن مصدرها فعل ثنائي لاتستوعبه عقول هذا القرن !!!
• الجامعة (س، ص): كلمة كانت تدل في
القرن العشرين على مكانٍ تتجمع فيه عقول الناس لتوجيهها إلى البحث العلمي والتعلم.
أما استعمال الكلمة في القرن الحادي والعشرين فيدل على مكان تتجمع فيه وحوش على
هيئة البشر كي تتناطح وتتصارع على ما يتوفر من اناث، وتذبح بعضها بعضاً من أجل
اللاشيء !!!
• المدرسة (س، ص): كلمة كانت في
القرن العشرين تدل على مكانٍ يتجمع فيه البشر من اجل تربيتهم وتقويمهم وتعليمهم.
أما استعمالها في العصر الحديث فيقتصر على المكان الذي يتم فيه حبس الشباب كي لا
يصبحوا لصوصاً.
• اصدق (ف): كلمة تدل على فعل أمر
بمعنى (كن صادقاً). أما استعمالها في القرن الحادي والعشرين فيدل على ليّ المعنى
ليصبح (فكر قبل أن تقول الصدق) خوفاً من العقاب !!
• الحكومة (س): كلمة كانت تدل في
القرن العشرين على السلطة السياسية والتنفيذية التي تسهر على راحة وسعادة الشعب.
أما الاستعمال في القرن الحادي والعشرين فيدل على الاستبداد ونهب الناس من خلال
الضرائب وتحميلهم ديوناً دون استشارتهم.
• الوزير (س، ص): كلمة كانت في
القرن العشرين تدل على الشخص المفكر المخطط الذي يتفانى في خدمة الناس. أما استخدام
الكلمة في القرن الحادي والعشرين فيدل على الوزر. والوزر في لغة العرب هو الإثم
والخطيئة.
• الحرية (س، ص، ح): كلمة منحوتة من
المصدر الثنائي حُرّ. وهي كلمة غريبة على لغتنا، وقد تصبح كلمة آبدة قريباً لعدم
الحاجة إليها !!!
• الحراك (س، ح، ص): كلمة حديثة الاستعمال،
تدل على أن الجموع البائسة من المحرومين تحتاج إلى الشفافية والنزاهة وقول الحق
دون عقاب كما تحتاج الهواء والماء، وتطالب بمحاربة الفساد، والمشاركة السياسية في
صنع القرار. لكن هذه الجموع ستبقى بائسة بدون جواب من السلطة السياسية لأن الناس
في نظر السلطة السياسية لاقيمة لها، ولأن السلطة تملك القوة !!!
• مكافحة الفساد (ح): كلمة غير
مفهومة المعنى خلال القرنين: الماضي والحاضر. ويرجح أن أصلها كان من نكتة غير
مفهومة.
• المأتم (س، ص، ح): كلمة كانت
تُستخدم في النصف الأول من القرن العشرين لتدل على المكان الذي يتقبل به أهل
الفقيد (الميت) العزاء برحيل فقيدهم. أما استعمال الكلمة في القرن الحادي والعشرين
فيقتصر على تجمع الناس في مكان واحد، بسبب موت أحدهم، كي يتبادلوا التهاني
بمكاسبهم الدنيوية وعقد الصفقات التجارية، واستغابتهم لمن غاب عن المجلس.
• على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ (ح، ص): صدر بيت من
الشعر قاله الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي وقصد به أن المهام الكبيرة تُناط بالرجال
العظماء. أما استعمال الكلمة في القرن الحادي والعشرين فيقتصر على مجرد شعار أراد
به مروجه كسب المال الحرام.
• بِرُ الوالدين (ح): مصطلحٌ كان في
القرن العشرين يدلُ على الحنان والاحترام والرحمة والرأفة التي يحملها الأبناء
باتجاه والديهم. أما في القرن الحادي والعشرين فيقتصر المعنى على المصلحة المادية
التي يؤديها الوالدان لأبنائهم. وقد يصل الحد في بعض الاحيان إلى قيام البنت
باستعباد والدتها (أي أن تلد الأَمَةَ ربتها حسب القول الشريف) أو أن يطعن الولد
أباه بأداة حادة من اجل المال.
• الشفافية (ح): مصلح حديث الاستعمال،
ابتكره البنك الدولي لمساعدة الحكومات الفاسدة على اقناع شعبها بجدية هذه الحكومات
في تنفيذ المشاريع دون فساد. لكن لم يتم تنفيذ أي مشروع بشفافية.
• الأردن أولاً (غ): مازال البحث
مستمراً !!!
• انتخابات نزيهة (غ): مازال البحث
مستمراً.
(غ) = غير معروفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق